العدد 2480
الخميس 30 يوليو 2015
banner
هل “تأسلم” أوروبا أفضل أم “تأورب” مسلميها؟ غسان الشهابي
غسان الشهابي
ذرائع
الخميس 30 يوليو 2015

في السنوات الأخيرة راج كثيراً مصطلح “الإسلامفوبيا”، أي الرهاب الإسلامي، الذي بات ينتشر سريعاً في أكثر من رقعة لم تكن فيها إلا أقلية قليلة، ولكن بات اليوم بحساب التوقعات آخذا في التمدد والانتشار وتخطي الأرقام البسيطة، وصولاً إلى أرقام تقترب من الغالبية في بعض الأحيان في عدد من الدول الأوروبية أساساً.
وليس هذا الخوف من الإسلام مقتصراً على الدول الأوروبية، بما يعنيه لها التاريخ الطويل منذ هزائم الروم في الشام في صدر الإسلام، ولا ما جاءت به معركة بلاط الشهداء (لابواتيه) في العام 114 هـ، ولا فتح القسطنطينية الذي حدث بعد 700 عام، ولا امتداد الدولة العثمانية وحسب، ولكنه أيضاً يأتي من أطراف من داخل الوطن العربي والإسلامي بوجود قوى تحسب للتمدد الإسلامي ألف حساب، خشية على المكاسب التي حققتها، أو تلك التي ترنو إليها.
ورجوعاً إلى المصطلح فإنه ظهر لأول مرة في العام 1976، ولكن بقي نادر الاستخدام والتردد لأن لا مبرر له، حتى انتبه العالم على هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001، حيث التفت الغرب إلى الداخل ليجد أنه وسط “مشكلة” بالنسبة له تتمثل في التراجع الحاد بالنسبة للمواليد في الدول الأوروبية والغربية بشكل عام، وفي المقابل فإن أعداد المسلمين في تزايد، سواء بالهجرة الشرعية أو غير الشرعية، أو بالمواليد حيث الخصوبة المضاعفة للخصوبة في البلاد الغربية. ومن هنا اكتسب المصطلح المزيد من الانتشار، معززاً بالحوادث الدموية التي حدثت بعد ذلك التاريخ التي تعمل على تأكيد المخاوف على القيم الغربية، خصوصاً الحريات العامة، إذا ما انتشر الإسلام في هذه الدول وتمكن، وصارت له سطوة بحكم القانون، وازداد عدد الممثلين الإسلاميين في البرلمانات، ما يعني قدرته على سن قوانين قريبة إليهم، أو منع وتعطيل قوانين أخرى يرونها لا تتماشى مع الدين الإسلامي.
ويعتبر البريطاني رونيميد تراست، واحداً من الرياديين في تعريف مصطلح “الإسلامفوبيا” بقوله إنه خوف غير محدد من الإسلام بما قد يخلق كراهية ضد المسلمين. لأن الإسلام في رأيه، كتلة وحدانية معزولة، جامدة وغير مستجيبة للتغيير، وليس له قيم وأهداف مشتركة مع الثقافات الأخرى ولا يتأثر بها، ولكنه يؤثر فيها. وهو دين وحشي وغير عقلاني ومتحيز ضد النساء، وهو في مرتبة أدنى من الغرب. دين عدواني، تهديدي، داعم للإرهاب. وهو دين آيديولوجي، يستخدم لأهداف سياسية وعسكرية. وهذه الصفات التي أتى بها تراست كانت في العام 1997، ولابد أن حوادث 2001 وما بعدها في إسبانيا وبريطانيا، أكدتها وعززتها وأضافت إليها، لا بصفتها ديناً، ولكن بصفتها تفسيرات للدين، وإن اختلط الأمران على الكثير من الغربيين وإن كانوا مفكرين، ولا عجب لأنه يختلط أيضاً عند نفر ليس قليلا منا نحن الذين نأتي من ثقافة واحدة أو مقاربة.
في داخلي الشخصي، فإن ما أقرأه وأسمعه عن “أسلمة” أوروبا، وأنها قد تدين بالإسلام في معظمها في العقود القليلة المقبلة، أمر يدعو للغبطة، ولا يمكنني إلا أن أغتبط. ولكنني أعود لأطرح جملة من التساؤلات التي أؤكد أنها ليست للإسلام ذاته، ولكن للمسلمين أنفسهم الذين يحملون هذا الدين، وأهم هذه الأسئلة وأكبرها: هل من مصلحة المسلمين، بل والعالم أن تتأسلم أوروبا بالمسلمين الذين نعرفهم اليوم، وإن كانوا يعيشون هناك؟
المسلمون المهاجرون في أوروبا هرب أكثرهم من القهر والقمع والظلم والمحسوبية والسرقة والتشريد والجوع وعدم تكافؤ الفرص والاستحواذ وعدم تقاسم السلطات وعدم تداولها، فهل سيذهبون هناك ليعيدوا التجارب القاسية والمؤلمة نفسها التي هربوا منها في بلادهم؟ أليس النظام العلماني (في غالبه) هو من أطّر هذه العلاقات، وضبط التوحش البشري، والجشع والطمع في أطر القوانين الرادعة... هل سيقوى نظراؤنا المسلمون الأوروبيون على سلوك هذا المسلك إن كانوا أكثرية؟ هل سيظل رجل الدين يشير يميناً فيذهب الناس يميناً، أو يشير شمالاً فيمتثلون له لأن طاعته من طاعة الرب المعبود، وهذا ربما ما بالغ الغربيون في الهروب منه ليشكلوا حضارة متقدمة علمياً ولكنها خاوية روحياً، اليوم يفكرون أكثر في التوازن؟ ألمانيا وحدها سجلت في السنوات العشر الممتدة من 1996 إلى 2006 ما يزيد عن 73400 براءة اختراع، أي حوالي 7340 براءة اختراع سنوياً، فنتساءل: هل للمسلمين في ألمانيا حظ معقول من هذه البراءات أم أن أكثرهم هناك يتعيشون من الحرف اليدوية وسواقة الأجرة ومطاعم الفلافل والشاورما؟ بالطبع هناك مخترعون ومبدعون مسلمون، ولكن نتساءل عن عددهم وقدرتهم وتأثيرهم على المستوى العام، وليس المساهمة الاعتيادية الخجولة. فاليهود على مستوى العالم حددوا هدفهم في السيطرة على المؤسسات المالية والإعلامية حتى باتوا يتوارثون المناصب القيادية في العديد من المؤسسات الإعلامية، ليس عن طريق الواسطة والمحسوبية والتملق كما في بلداننا العربية، بل بالقدرات المتفردة، والسعي الحثيث، ويكفي أن تجد السواد الأعظم من المؤثرين من المؤسسين لعلوم الاتصال على مستوى العالم، والمفكرين والرواد هم من أصول يهودية، وهذا لم يأت صدفة أو محاباة، فاليهود غير مرحب بهم في الكثير من المجتمعات، كما المسلمين اليوم، ولكنهم، وبفضل سعيهم، استطاعوا أن يفرضوا قانوناً لمعاقبة معادي السامية، وهم الذين لا يزيد عددهم عن 16.4 مليوناً على مستوى العالم في أحسن الأحوال، بينما حوالي 1.62 مسلماً يجأرون بمرّ الشكوى مما تبثه قنوات الإعلام التي تشوه سمعتهم، وتنمّط صورتهم، وهي التي يسيطر على أغلبها يهود.
العبرة ليست في السيطرة العددية، فالمسلمون يسيطرون فعلياً على مساحات شاسعة من اليابسة، من إندونيسيا وماليزيا شرقاً، إلى المغرب غرباً، ولكن إن رأينا حالنا فهي ليست بالحال التي يُسَرُّ بها أحد، فهل سننقل هذه الحال إلى أوروبا إن أصبحنا في العام 2050 الأكثرية هناك لتصبح دولاً متخلفة وطاردة كما هو حال أكثر الدول الإسلامية التي ينتحر أبناؤها بشرب بحر الهجرة كونه أهون من العيش في ظل أوضاعهم المتردية؟
إن أصبحت أوروبا المسلمة في الغد أفضل مما هي اليوم، وحافظت على وتيرة العلم والإبداع والابتكار، وتطوير القوانين، والوقوف مع حقوق الإنسان، فأهلاً بها، وإلا فلا حاجة للعالم أن يكبر الورم.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .