العدد 2260
الإثنين 22 ديسمبر 2014
banner
الواقع المر أحلى من تعبئة الأحلام المستحيلة غسان الشهابي
غسان الشهابي
ذرائع
الإثنين 22 ديسمبر 2014

إنه لمن سوء طالع المجلس النيابي الذي يتنحنح الآن ليبدأ مسيرته التي تستمر أربعة أعوام، أن يصطدم بالانخفاض الحاد لأسعار النفط دون الحدود المتحفظة التي انبنت عليها موازنة المملكة في الأعوام الفائتة، وهي “الأزمة” التي قيل أنها ستستمر عامين آخرين في تذبذب، حتى يتخلص السوق من التشبع النفطي الذي هو فيه اليوم، وهو أحد الأسباب المؤدية إلى انخفاض أسعار النفط، إذ إن النفط من السلع “الدليعة” بلهجتنا المحلية، فحتى أهم المحللين يعجزون عن التنبؤ بمسيرة أسعارها، إذ قد تنخفض أو ترتفع لعوامل نفسية بحتة، وليست لمعطيات السوق وعوامله.
إلا أننا إن أردنا الاستفادة من الماضي، وإن كان قريباً جداً، ومن الصعب أن نعتبره “تاريخاً”، فإن نواباً في السنوات السابقة، عبر المجالس المتعددة، حاولوا كثيراً اللعب والتلاعب على موضوع الفوائض النفطية، وما يجب أن يقدم للناس من دعم كبير غير منطقي وغير مبرر، وذلك عملاً ما يحدث في الدول القريبة التي تهيل الرواتب مضاعفة على مواطنيها، ويراد أن تنتهج البحرين النهج نفسه.
ولا يُمكن أن تُخطأ اتجاهات هذه المطالبات، حيث إن النائب - مستقلاً كان أم متكتلاً - يروم إقناع أهل دائرته أنه “سعى” من أجل زيادة رواتبهم ومداخيلهم، وقدم المقترح تلو المقترح، والتصريح إثر التصريح، ولكن الحكومة تأبى إلا أن تصمّ أذنيها عن إصلاح أحوال الناس. وكل ذلك اعتماداً على ارتفاع أسعار النفط في فترات معينة، واحتساب الحكومة سعراً متحفظاً لبرميل النفط يعني أن هناك ما قد يصل إلى الضعف ربما من السعر الذي بُنيت عليه الميزانية، وهذا الفارق هو ما يجب أن يذهب إلى جيوب الناس مباشرة.
لاشك أن من واجب الحكومات في العالم أجمع أن تجعل المواطنين يعيشون الرفاه، وبلوغ مستوى الجودة من الحياة بشكل عام، بدءاً من أصغر التفاصيل اليومية، إلى أكثرها ضخامة وتعقيداً.
 ولا شك أيضاً أن الرفاه لا يعني بالضرورة هو توفر المال بيد الفرد، بل الأفضل منه والأكثر تأثيراً وديمومة توفر الخدمات ذات الجودة العالية، والتأثير المباشر والجيد على يوميات الفرد، وتجعله لا يشقى في استخراج ورقة، أو في الحصول على موعد في المستشفى، وأن تتحسن الشوارع، وتتوفر له الرعاية النفسية والبدنية، ويساعده النظام على النجاح في حياته، وغيرها من أمور تجعل من الحياة أمراً أليفاً لا وحشياً يقوم الفرد بالصراع من أجل أن يخرج كل يوم من هذه المعركة بأقل الخسائر الممكنة، بدلاً من أن ينهي يومه وهو يعدّ المكاسب التي تحصّل عليها، والمكاسب ليست أموالاً فقط. وهذا يعني أن المسألة ليست بما يتوفر للمرء من أموال في يديه آخر الشهر عند استلامه للراتب، ولكن بالكيفية التي يمكنه من خلالها أن يحيا حياة رغدة.
وفي المقابل، فإن المطالبات النيابية السابقة تدخل المواطنين في مسألة مهمة وهي أن المطالبات تنصبّ على موظفي القطاع العام وحدهم، إذ ليس للحكومة على القطاع الخاص لرفع الرواتب سوى الحثّ والتمنّي، وليس عليها إلزامهم. وبحسب التقرير الإحصائي للربع الثالث من هذا العام، والصادر عن الهيئة العامة للتأمين الاجتماعي، فإن عدد المواطنين العاملين في القطاع العام (المدني) يصل إلى 54.193 مواطناً، بينما يعمل في القطاع الخاص حوالي 87 ألف مواطن، فمن ذا الذي سيدفع لزيادة مماثلة في رواتبهم وامتيازاتهم سواء ارتفعت أسعار النفط أم انخفضت؟!
والمعلوم أن أي زيادة تحدث في أي دولة خليجية، تخص المواطنين فقط، بينما الكتلة السكانية الأكبر من غير المواطنين، في أكثر الدول الخليجية، ومن بينها البحرين مؤخراً واعتباراً من العام 2008، هي لغير المواطنين، ولننظر مرة أخرى إلى التقرير المشار إليه سابقاً، فإن عدد العاملين في القطاعين العام (المدني) والخاص من المواطنين 141 ألفاً، بينما عدد المسجلين من العاملين من غير المواطنين في القطاع الخاص 441 ألفاً. والمعلوم أيضاً أن أية زيادة في الرواتب تجرّ معها زيادة في أسعار السلع والخدمات، وهذا ما يجعل الحياة أصعب على الكتلة الأكبر من العاملين في القطاع الخاص من غير المواطنين إذا ما بقيت رواتبهم على ما هي عليه، على افتراض أن القطاع الخاص تساوق مع القطاع العام في رفع الرواتب.
وإذا ما أشحنا البصر عن هذه الثنائية (العام/الخاص)، وما يفترض أن تسير عليه الدولة ككل لتشجيع المبادرات الخاصة، وتنمية القطاع الخاص لتوفير وظائف أكثر، وتخلص القطاع العام من جملة من الوظائف، وتخفيف هيكله المثقل والمترهل بالوظائف؛ فإننا من الدول التي يصعب عليها أن تراجع رواتب الموظفين وتقوم بخفضها إذا ما سارت الأمور الاقتصادية بغير ما خططت له، فلا يمكن زيادة رواتب الموظفين في فترة ما على اعتبار أن أسعار النفط قد ارتفعت، ثم يجري تخفيض رواتبهم على اعتبار التأرجح الذي يواكب أسعار هذه السلعة... فكيف يمكن التصرف حينها إذ لم تُبن الزيادات على أساس بعيد المدى وليس على ما يجري اليوم فقط؟!
إن العويل على انخفاض أسعار النفط لن يجدِ نفعاً إلا إذا ما كان درساً مهماً، وليس وحيداً، في ترتيب أولويات بيتنا البحريني من حيث الإنفاق، والتخلص من مظاهر البذخ التي لا معنى لها، والابتعاد عن المغامرات الفردية، وإدارة الموارد القليلة لدينا بأفضل السبل وأكثرها حكمة، فذلك أفضل وأجدى من دغدغة عواطف الناخبين، وتحبير كتيبات الإنجازات في آخر المدة البرلمانية بالقول إننا طالبنا لكم بالزيادة. فالحديث عن أهمية وعي الناخب لا يتجزأ عن الحديث عن تضليله واللعب بعواطفه، وتمنيته بما لا يتحقق من أحلام، فهذا مما يزيده سخطاً وحنقاً على وضعه، ويغرقه في مقارنات غير صحيحة مع أوضاع مواطني الدول الجارة، بينما ما لدينا ولديهم مختلف جداً.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .