العدد 2113
الإثنين 28 يوليو 2014
banner
البحرين إذ تقرأ “هيكساكوسيويهيكسيكونتاهيكسا” غسان الشهابي
غسان الشهابي
ذرائع
الإثنين 28 يوليو 2014

سنحفظ جميع الألقاب والكُنى وكل ما يمكنه أن ينزِّه أو يحط من أقدار الناس، أياً كان هؤلاء الناس، لأن الكرامة الإنسانية يجب أن تظل موفورة. لذا، فإن الحديث عن مجريات الأحداث السياسية في البحرين في هذه الأيام يلتقي ليشير إلى شكل واحد، وهو: الارتباط القسري، والآخذ في التزايد بين اعتناق الأديان والمسؤولية عن سيرها، وكذلك النبش في السياسة ومحاولة تسيير أمورها.
لعلي أقف عند مسافة واحدة من الأطراف الثلاثة، ومن دون الكثير من الألقاب، بين التيارات السنية والشيعية والحكومية، لنلاحظ أن التيارين الأولين لهما أصول دينية مذهبية، بينما التيار الثالث “الحكومة” بلا نزعة دينية وإن كان يُحسب سياسياً على المذهب السني، أو يحسب المذهب عليه. وبالتالي، فإن هذا الموقف المتوسط من الأطراف يجعلني أنتزع الحق في القول “وهذا ما سأخلص إليه لمن لا يجد وقتاً لإتمام المقال لأنه قد يكون يوم عيد، أو قبيل العيد، والناس منشغلة في الكثير من الضروريات والكماليات”، لابد من إبعاد السياسة عن رجال الدين وشيوخه حتى ينعم كل بطريقته المثلى التي درج عليها من دون أن تتماهى المواقف بين الديني والسياسي، والمقدَّس والمدنَّس، في المواقف والتي لا يمكن الفصل بينها في المستقبل، أو تلك التي لا تدري إلى أيِّة عباءة تنسبها: للدينية أم للسياسية، لأن موجبات القول في هذا بعيدة تماماً عن ذاك، وما يتفق والدين ليس شرطاً، بل ربما لزاماً ألا يتفق مع السياسة، فلكلٍّ وجهةٌ هو مولِّيها.
لن يكون في ما نشرته الزميلة “الأيام” يوم السبت الماضي، من تصريح لأحد قياديي “ائتلاف شباب الفاتح” بأن تنصيب رجال دين بقيادات “التجمع”، إلا تكراراً لكثير من الأحاديث في حينها (2011 وما بعدها)، بضرورة أن يبتعد هذا التيار عن تمثيل طائفة (سنة الفاتح) في قبالة (شيعة الدوار)، وإن أنكر الطرفان وكابرا على أن كلاً منهما يحوي تشكيلات من جميع الأطياف الدينية والعرقية والمذهبية والفكرية، نعم، ولكنه تنويع لا يعدو مكعب سكر واحد في برميل شاي، لا يترك فيه طعما، وتحتاج للمجهر حتى تفتش عنه. فكيف للتجمع الذي تصدى له دينيون، وتزعمه دينيون، وأسسته جمعيات دينية، وعقدت اجتماعاته الأولى، وحتى بعد أكثر من سنة على تكوّنه، في جمعية دينية، أن ينزع عنه هذه الصفة؟
اليوم لا أستطيع الجزم أن هناك حالة من السخط أو الحنق في “شارع الفاتح” (أي الشارع السني تحديداً)، على ما حققه هذا التجمع إلى اليوم، ولكن البرود ملموس منذ مدة ليست قصيرة، وفي المحصلة النهائية فإنها إشارة إلى برود عام تجاه الرموز الدينية التي تصدرت المشروع، وعدم الثقة السياسية فيها، والثقة إن انهارت فإنها تجرد الشخص من جميع مكوناته الأخرى، وهذا ما ليس لأحد يد فيه أو تحكم... فإما ثقة كاملة وإما لا شيء.
ولكن الأسخن هو ما يجري تداوله في الأيام القليلة الماضية في مسألة الستات الثلاث (6/6/6)، والتي قيل إن أمين عام الوفاق الشيخ علي سلمان قد تلقاها من الحكومة للخروج من الأزمة، وردّ وزير العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف الشيخ خالد بن علي آل خليفة بـ “الكفوف” السياسية الـ 6، نافياً أن تكون الحكومة قد تقدّمت بهكذا عرض، ومع ذلك فإنه – هو الآخر - لا يقدِّم جديداً عن هذا التباعد الشديد ليس في وجهات النظر وحسب بين الطرفين (المعارضة والحكومة أساساً)، بل وبالقدرة على أن يتخذ أي من المتابعين الاعتياديين، موقفاً حازماً من ما يريد وما لا يريد، ومن أية قضية سياسية يجري طرحها على الرأي العام. لأننا من الممكن أن نفهم ونتفهَّم أن يزلَّ اللسان، ويخطئ أحد ما في التعبير، ومن هنا يأتي التصحيح وتعديل مسار الفكرة، ولكن أن يجري “تكذيب” المسألة من أساسها، جملة وتفصيلاً، فهذا يلقي بظلال الشكوك في شأن شخصيتين (رسمية وأهلية)، لهما علاقة وطيدة بالشأن السياسي، وتديران أكبر ملف يضم هذا البلد منذ عقود، وأكبر ملف ظاهر منذ سنوات قليلة، ولهما – في الوقت نفسه – مكان ومكانة في الشأن الديني القائم أساساً على الصدق الذي يقود إلى البر، والبر الذي يقود إلى الجنة، مع الإحالة إلى مرات تكرر جذر كلمة “صدق” في القرآن الكريم، والتي لا ترتبط إلا بمكارم الخلق، وهو شأن الله تعالى، وشأن المؤمنين، فكيف يمكننا تفكيك هذا الخطاب ذي الستات الثلاث، وهو بالمناسبة رمز الشيطان أو المسيح الدجال لدى بعض المسيحيين القدماء، إذ يسمون هذا الخوف من الرقم أو الرُّهاب “هيكساكوسيويهيكسيكونتاهيكسا فوبي”؟! وعلى من يمكن أن تلقى اللائمة بشكل متجرِّد إن كان طرفا (وهو ديني) يؤكد، وطرف آخر (وهو ديني أيضاً) ينفي؟! سينزح القراء والمتلقّون في هذا الشأن مع من نزحوا إليه منذ سنوات وسنوات، بأن كل ما يأتي منه صحيح ولو لوَّح الطرف الآخر بالحجج والبراهين والأدلة التي تصدِّق كلامه وتعزز دعواه. وهذا – ضمنياً – يعني التواقف (وليس التوافق) مبدئياً مع الانتماء “السيامذهبي” لدى الجمهور الأعرض من البحرينيين، الذين أعطوا “الخيط والمخيط” السياسيين لرجال دين وقائمين عليه، ولم نشهد في السنوات الخمس عشرة الأخيرة إلا تقاذف تهم الكذب والتزييف والتدليس، وكل ما ارتبط بها من أفعال لا تليق بالأشخاص الاعتياديين، فكيف إذا ألصقت بأناس لهم وقارهم ومكانتهم ودورهم في تعليم الناس مكارم الأخلاق!
إن ربط الدين بالدولة ليس شرطاً أن يتم عبر من يتولون علوم الدين، لأن السياسة علم منفصل، وتكتيك مختلف، وألاعيب وفذلكات وكثير من الأمور التي لا تليق برجل الدين، والتي يمكنها أن تفسد عليه دينه إن تولاها بشروطها، حتى تبقى للدينيين مكانتهم الرفيعة، وتبقى للسياسيين قدرتهم على المناورة واللعب.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية