العدد 2015
الإثنين 21 أبريل 2014
banner
أما وقد وجد الحلُّ طريقاً غسان الشهابي
غسان الشهابي
ذرائع
الإثنين 21 أبريل 2014

بقدر ما أسعدني الاتفاق الخليجي الأخير الذي عقد في قاعدة الرياض الجوية في السعودية بحضور وزراء خارجية دول مجلس التعاون، وتعهد دولة قطر بجملة من الالتزامات التي كانت مصدر ضيق وتبرّم لعدد من دول المجلس؛ بقدر ما آلمني أن تضطر دول المجلس للذهاب إلى هذا الخيار الذي لم يكن ليحدث منذ البداية إن علمت جميع الدول الأدوار التي يمكنها أن تؤديها داخل المنظومة الخليجية وخارجها، مستحضرة الكثير من الدروس الماضية والحاضرة في شأن العمل المشترك ومعانيه ومضامينه.
وبالقدر الذي تتصادم فيه التوجهات المعلنة وشبه المعلنة في الدول التي سحبت سفراءها من دولة قطر قبل حين، بعدم التطرق عن الموضوع في الكتابات الصحافية، أو تناوله بالتعليقات حتى إن كانت متوازنة ومنصفة، مع الدعوة لحرية التعبير؛ بالقدر الذي احترمتُ شخصياً هذا التوجه، ذلك أنه ما إن صدر القرار من الدول الثلاث حتى تبارى البعض، خصوصاً الشعراء والشويعرون – من الطرفين - بتدبيج قصائد المدح والقدح، وكأن الدنيا توقفت عند هذه اللحظة، أو كأن من لا يعجبه أسلوب الآخر سيأخذ ما خف حمله وغلى ثمنه وسيرحل إلى الأبد. فقد تناسى المتحمسون أننا مربوطون معاً بقدر الجغرافيا وبرعاية التاريخ، وبأواصر متعددة الاتجاهات، إن تنكرنا لها على حين غضبة، فإنها لا تتنكر لنا وتعود لشدّنا من جديد، ولا يمكننا أن ننفك من بعضنا، لذا كان لزاماً عليهم أن يحسبوا حساب هذه اللحظات التي يصفوا فيها الجو، ولكن كدر الكلمات القاسية لن يزول. ومن هنا، فإن المنع على إيلامه وانتقاصه من الحقوق الطبيعية، سيبدو لازماً مع هذا الشطط الذي لا يمكن لجمه أو التحكم به.
لو قايسنا عمر دول مجلس التعاون ونضجها السياسي بالدول الأوروبية التي يطالب الكثير من الناس في داخل المجلس وخارجه أن نقتدي بها، لوجدنا أن الفارق الزمني شاسع، وأن المشاكل قد حاقت بالاتحاد الأوروبي نفسه أثناء الحمل به والمخاض والخروج إلى العلن حينما جرى الإعلان عن ولادته، وأن عددا من القرارات المهمة داخل الاتحاد، مثل العملة الموحّدة، والبرلمان الأوروبي وغيرها، خضعت في البداية لاستفتاءات عامة في الدول الأعضاء، والدول التي لم تقرّ شعوبها الانضواء في هذه النقطة أو تلك للاتحاد الأوروبي، كانت في حلٍّ من الالتزام بها، فهي ليست مسألة إما أن ننجو معاً وإما أن نغرق معاً، بل إن هناك خصوصيات لابد من احترامها في الأطر العامة للاتحادات، ولكن كل هذا لا يعني أن تعمل أية دولة من داخل الاتحاد بشكل مناقض لروح المجموعة، ولا أن تجدّف في الاتجاه المعاكس، ولا تناصر أي اتجاه أو دولة لها نوايا غير مريحة (على الأقل) بالنسبة للاتحاد الأوروبي، لأن في هذا التصرف خرق واضح للاتحاد، وإلا لماذا تنضم أية دولة في إطار معين لا تتفق معه في الكثير من النقاط، ولا تشعر بانسجامها السياسي معه، ولا تتوافق معه في النقاط الجوهرية؟!
توصلت الدول الأوروبية إلى اتفاقها الخاص بالاتحاد بعد جهد جهيد، وبعد حربين طاحنتين في القرن الماضي استنزفت هذه القارة العجوز (كما يسميها الأميركيون في إشارة إلى ذهاب بهائها وقدرتها على الولادة والعطاء)، وبعد الكثير من القلاقل، وترسيم الحدود، والابتلاء بأنواع مختلفة من أشكال الحكم غير المنسجمة، فما كان لها في نهاية المطاف إلا أن تحاول إبعاد شبح الحروب عن إقليمها، وأن تبدأ في مرحلة جديدة يفرضها النضج الإنساني الذي وصلت إليه، وتنكبّ على بناء الذات وتطوير القدرات، وخوض المنافسة العالمية التي وضعتها اليوم في مراحل متأخرة نوعاً ما عن الولايات المتحدة بعدما تسلقت الصين إلى المرتبة الثانية لسلم الاقتصادات الأكبر في العالم، فأبعدت الاتحاد الأوروبي واليابان عن المقدمة، وفي هذا تحدٍّ كبير لها.
إن دول مجلس التعاون ليست بحاجة لخوض الشوط من أوله، وليست في وارد حروب جديدة في المنطقة، فلقد عاشت وعاينت القلق والاضطراب مدة كافية من الزمن، وأنفقت من فوائضها النفطية على الكثير من المواقف بغية تجنبها الدخول في هذه المغامرات، وحتى لا تنتقل إليها نيران الحروب الطويلة التي أصابتها شرارت منها منذ العام 1980 وحتى الأمس القريب، وكان حريٌّ بهذا الجهد والمال أن ينصرف ويصبُّ في قنواته الأجدى والأولى بدلاً من تبعثره وتعثّره في مسارب أخرى. وليس ينقصها لا سنين أخرى تقضيها في قلق أمني حاصل أو مبالغ فيه، ولا مزيدا من أموالها لكي تضيع في ما لا يجدي نفعه ولا يعود، ولا يمكنها أن تلعب دور مخلب القط لأي لاعب دولي أو إقليمي كان.
من المهم أن تعي دول المجلس متطلبات المرحلة، وأن تضع نفسها في الموضع الصحيح، حجماً، وقدرات، وثقلاً سكانياً، وقدرة اقتصادية، ونظرة عامة للمستقبل، وذلك حتى لا يقدم أي طرف منها على مغامرات تربك حساباته التي لا ينقصها ارتباك، ويهزّ قمقم الأمن في جنباتها وهو أحد أهم ركائز التنمية في منطقة مبتلاة بأنواع مختلفة من الاضطرابات، وأن تدّخر هذا الجهد لإتمام نواقص التنمية في شعوبها حتى تكون شعوباً منتجة لا مرفّهة وحسب، يُنظر إليها نظرة غير لائقة من القريب والبعيد، بأنه لولا أموال المنطقة لكنّا نكرات لا يُلتفت إلينا. مع تفاوت معاني الرفاه بين بلد وآخر، ولكن النظرة إلينا – شعوباً ودولاً – كحزمة واحدة، ربما تكون أولى درجات سلّم التأثير لو أحسنّا إدارته، وتوقف بعضنا عن صبيانيّته.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .