العدد 2478
الثلاثاء 28 يوليو 2015
banner
بين الكفر والإيمان شعرة د.عمران الكبيسي
د.عمران الكبيسي
الثلاثاء 28 يوليو 2015

قد يتسع المدى بين الكفر والإيمان من حيث الوضوح إلى درجة المقارنة بين النور والظلمات تجليا، وقد يضيق المجال إلى حد القول: إن بين الكفر والإيمان شعرة، ونحن المسلمون جبلنا على القول “المال مال الله” و”الملك لله” وليس منا من يأخذ معه إلى القبر شيئا، وفي الحديث الشريف “هل الملك إلا لله” والاستفهام بمعنى النفي “لا ملك إلا لله” وكلنا نؤمن بذلك ولا نختلف عليه، لثبوته شرعا بالتنزيل الحكيم: (لِّلَّهِ ما فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ) وهو تبارك (يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) فالأوطان وما عليها لمالك الملك وحده، أما الناس فلا تملك شيئا (وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ) والذين يدعون غير هذا فنتحداهم بقوله تعالى: (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الأَرْضِ).
أما المالك بالقوانين الوضعية فهو في الشرع والدين مستخلف فيما وضع عليه يده من الأموال والعقارات والضياع، يسأله الله يوم القيامة من أين أتى بها؟ وفيما أنفقها؟ فالإنسان في دنياه وحياته مؤتمن ووصي على ما بين يديه من المال تكليفا وليس تشريفا، يحاسب على ما توافر له فمن أحسن له الحسنى ومن أساء فلنفسه. لقوله تعالى (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) يحيها ويعمرها وينفق مما استخلف فيه فلا يسرف ولا يقتر (وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ ) ومن يجانب ما أمر به الله قد يستبدله بأخر (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) وضرب الله لنا الأمثال: (وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ) فماذا كانت النتيجة؟ (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلاً لِلآخِرِين).
أعتقد إلى هنا نتفق ولا خلاف بيننا، وإنما يأتي الخلاف حينما يضيق المجال فتكون بين الكفر والإيمان شعرة لا يدركها كل الناس فيقع بعضهم في المحذور، والرسول الكريم يقول: “إِنَّ العبد ليتكلّم بالكلمة مِنْ رضوان الله لا يُلْقِي لها بالاً، يرفعه الله بها في الجنة، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سَخَط الله لا يُلْقِي لها بالاً، يهوي بها في جهنم” ومن الكلمات التي تثير سخط الله وتهوي بصاحبها في جهنم، والله أعلم قول بعض السياسيين من محترفي الإلحاد: “الدين لله والوطن للجميع” أي قلبوا المعادلة من النقيض إلى النقيض، وقالوا الأموال والملك للشعب بدل القول: الملك لله. ولكونهم ليسوا بمؤمنين قالوا: “الدين لله” كمن يقول هذه بضاعتكم ردت إليكم، والله تعالى وهب الدين للناس جميعا يهتدون وينعمون ويسعدون به، (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ* إِنَّ فِي هَـذَا لَبَلَاغًا لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ)، فالله سبحانه أنزل الدين على رسله وبعثهم رحمة للعالمين وليس ليعود به إلى الله جل جلاله وتنزه عن ذلك، فالحذر الحذر من مقولة “الدين لله” فهي من وضع الملحدين الذين أرادوا أن يشترك الناس في الأموال لا كما شرع الله، وإنما كما شرعوا لأنفسهم، وهي مقولة سياسية تتفق مع التطلعات الشيوعية وأطلقوها ليضللوا أصحاب الديانات، واستسهلها الناس واستساغوها لهوى في نفوسهم من دون وعي بأبعادها وبلا تفكر بمقصدها، وهي ليست من الدين ولا من الإيمان في شيء، بل مما يتكلم به العبد ولا يلقي لها بالا، فتلقي به في النار سبعين خريفا والعياذ بالله وسبحان الله عما يصفون.
أما المذاهب وإن كانت دينية فهي ليست دينا وإنما من خصوصيات الإنسان الدينية الفردية، يختارها وسيلة وأداة يتبناها عن قناعة شخصية يقلد فيها من يشاء من الصالحين المجتهدين، ويحق له أن يستبدلها بمذهب آخر دونما كفر يتحول فيها من شيعي إلى سني أو العكس، ومن شافعي إلى حنفي أو مالكي كما يشاء، المذاهب طرائق ومدارس واتجاهات يتقرب بها الإنسان إلى خالقه مثالها مثل الطرق الصوفية وما أكثرها، المذاهب السليمة تسهل الحياة على الإنسان ويسعد بها وليس لتثقل عليه، هي في حقيقتها تزيد من التماسك والتفاعل والاجتهاد وليس للتفرقة بين المسلمين والصراع وإثارة الفتن، كما فهمها بعضهم واستغلها، وحكم الله علينا أن نكون طوائف متحابة لا متخاصمة (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)، ألا هل بلغت اللهم اشهد.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية