العدد 2179
الخميس 02 أكتوبر 2014
banner
إدارة الوقت... إدارة الحياة د.عمران الكبيسي
د.عمران الكبيسي
الخميس 02 أكتوبر 2014

يشكو معظم من نعرفهم ضيق الوقت، وعدم كفايته لإنجاز أعمالهم والنهوض بمسؤولياتهم، وتتردد لفظة “مشغول” على ألسنة المديرين والتجار والمقاولين والموظفين والطلبة ذكورا وإناثا فلا يسمح لهم الوقت “بحك رؤوسهم”، فإلى أي مدى يصدقون بشأن ضيق الوقت وعدم اتساعه، وهل يا ترى المشكلة في الوقت أم بنقص خبراتنا وقلة درايتنا بإدارته؟ “نعيب زماننا والعيب فينا، وما لزماننا عيب سوانا. ونهجو ذا الزمان بكل قبح ولو نطق الزمان لنا هجانا”، فمعرفة أهمية الوقت تتطلب الإدراك أنه أغلى وأثمن ما وهبنا الله، ولو تسنى لشخص على شفى الموت التعبير عما يتمنى؟ لأجاب بلا تردد، ساعة زيادة “وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا”، ففي خصائص الوقت من العجب ما لا يدرك في غيره، تسأل عن حياتك أو عمرك فتقول ثلاثين أو أربعين سنة، تعدها بالوقت، فهو معادل موضوعي للعمر والحياة والصحة والشباب والغنى والعمل ونقائضها، وفي الحديث الشريف “اغتنم خمساً قبلَ خمسٍ: اغتنم حياتَكَ قبلَ موتِكَ، وصِحَّتَكَ قبلَ سَقَمِكَ، وشبابَكَ قبلَ هَرَمِكَ، وغِنَاكَ قبلَ فقرِكَ، وفراغَكَ قبلَ شغلِكَ”. أي اغتنم وقتك.
ويبلغ الوقت من الصرامة حدا لا يمكن التحكم به وإيقافه، ولا يمدد ولا يؤجل ولا يدخر، ولا يعوض، ولا يباع ويشترى، هو جوهر الحياة ومادتها ماضيها وحاضرها ومستقبلها، يشبه بحد السيف إن لم تقطعه قطعك. والضائع منه لا يعوض ولا يسترجع، وكم قائلا: “ألا ليت الشباب يعود يوما، فأخبره بما فعل المشيب”. “فأمس الذي مر على قربه، يعجز أهل الأرض عن رده”. والوقت قاسم يومي مشترك بين الأغنياء والفقراء، الناجحين والفاشلين فلا يملك أي منهم إلا 24 ساعة، وأدرك اليابانيون، أهمية الوقت وعرفوه، “بحسن الإدارة القيام بالعمل من أول مرة” أي كل المستلزمات حددت مسبقا بدقة، وحياة من لا يجيد إدارة الوقت أشبه برحلة قصيرة بسفينة تتقاذفها الأمواج لا يدري ربانها أين يتجه. وقد تتسبب سوء إدارته باضطرابات نفسية يؤكدها العلماء في دراساتهم، ويعد النمل أحرص المخلوقات بإدارة الوقت واستثماره بفنية عالية حيث تتعاون المجموعة بروح فريق واحد لا يترك دقيقة بلا عمل، وينجز ما يعجز الإنسان عن إنجازه، ويقول فرانكلين: “إذا أحببت الحياة لا تبدد الوقت الاستراتيجي في غير النجاح، فهو المادة التي صُنعت منها الحياة”.
يقول الحسن البصري: “يابن آدم إنما عمرك بضعة أيام فإذا ذهب يومك ذهب بعضك”، وهو ما يفسر قوله تعالى:”وَالْعَصْرِ، إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ”، يخسر كل لحظة تمر عليه وتنقضي من مجمل عمره، حتى دقات قلب الإنسان مستنفذة من رصيده، يقول أحمد شوقي: “دقات قلب المرء قائلة له، إن الحياة دقائق وثوان... فارفع لنفسِك قبلَ موتِك ذكرَها، فالذكرُ للإنسانِ عمرُ ثاني”، ويقول الشاعر: “يبشرني الهلال بنقص عمري، وأفرح كلما هل الهلال”.
إن الناجحين المتفوقين في الحياة وحدهم يدركون أن سر نجاحهم في استثمار الوقت وحسن إدارته وتنظيمه، ويفرقون بدقة بين وقت يخصص لقضاء حاجاتهم الشخصية والاجتماعية الأساسية، النوم والشراب والطعام والصلاة والتواصل، بما يساعد على حفظ التوازن النفسي والبدني، ويتساوى فيه الناس على اختلافات أطيافهم ويستأثر بنحو 12 ساعة يوميا نصفها للنوم، ويخصصون نحو 6 - 8 ساعات عمل، يتطلب تنظيمها وإدارتها دقة ومهارة في التفكير والتخطيط والتنظيم ثم الأعمال الروتينية اليومية والاجتماعات، والمكالمات الهاتفية، واستقبال الزوار، ويتبقى 6 - 4 ساعات يوميا من الفراغ تمثل التحدي الثاني الذي يتطلب حسن الاستثمار.
ويفضل بإدارة الوقت إدراك لحظات الذروة وعادة في الصباح حيث يكون فيها الإنسان بكامل نشاطه وحضوره الذهني، وتمثل 20 % من وقت العمل الجاد الذي فيه التركيز والنشاط وينبغي الحرص على أداء 80 % من أهم أعمالنا مردودا خلاله، ويتمثل المتبقي بـ 80 % من الوقت نقضي فيه 20 % من مجمل أعمالنا اليومية الروتينية، هواتف.. اجتماعات.. تقارير.. توقيعات.. استقبال، ويفضل تنظيم الوقت بجدول أسبوعي يخصص فترة ضرورية للراحة تخلو من الالتزامات، فلنحرص على كل لحظة من أوقاتنا، ففي الحديث الشريف “لا تزولُ قَدَمَا عَبْدٍ يومَ القيامةِ حتى يُسألَ عنْ أربع ٍ عنْ عُمُرِهِ فيما أفناهُ، وعنْ جسدِه فيما أبْلاهُ، وعنْ مالهِ مِنْ أيْنَ أخذهُ، وفيما أنْفَقَهُ وعنْ عِلمِهِ ماذا عَمِلَ بهِ”.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية