العدد 2148
الإثنين 01 سبتمبر 2014
banner
داعش إرهابية... والبقية؟ (1) د.عمران الكبيسي
د.عمران الكبيسي
الإثنين 01 سبتمبر 2014

قد يبدو التساؤل عن داعش غريبا، فما أبقت لها وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمنظورة شيئا من القذف إلا ورمته بها، يكفي أن مجلس الأمن الذي قلما يُجمع على أمر عدها بالإجماع منظمة إرهابية متشددة، وبارك قراره المجتمع الدولي وفي مقدمته الدول الإقليمية، فهل بقي من يتساءل عن داعش؟ وهنا أستدرك باعتبارنا عربا مسلمين يتحتم علينا القبول بالقرار، وحتى لو لم نقبل لا يعني قبولنا من عدمه شيئا، ولكن بفضل ما تعلمناه من الثقافة الغربية ونظمها الديمقراطية لنا هامش ضئيل من الحرية، يمكن فيه أن ننوه ونشيد بالقرار، ونستثمر الفرصة لنستفهم عن التوقيت والكيفية وعن بقية الأشباه والنظائر دون تجاوز الخطوط الحمر، فمن باب العلم بالشيء وليس الاعتراض نتساءل، لماذا لم يعد مجلس الأمن داعش إرهابية إلا بعد أن هددت إقليم كردستان وعرضت مصالح الغرب وأصدقاءه الصهاينة الذين يسرحون ويمرحون في أربيل للخطر؟ وتجاهل قبلها ما عرف عنها من تشدد وتطرف وإرهاب شكلا ومضمونا حتى لم يبق مجال للمشاحة والجدل.
لقد أخذ أعضاء مجلس الأمن والأمم المتحدة وأوروبا زمنا للتوافق على تحديد مفهوم قار للإرهاب وتعريفه دوليا، ومازالوا مختلفين فيه وعليه؟ لكنهم صنفوا داعش إرهابية بسرعة مذهلة وجلسة قصيرة، ولا ندري أين كانوا عن داعش وهي تقاتل طيلة سنوات في سوريا بسجلها وسجل الأسد الحافلين بالعنف؟ ولماذا أغمض مجلس الأمن عينيه عنها ولم يتصدّ أو يتعرض لها بعد احتلال الموصل وصلاح الدين طيلة أشهر؟  لذلك لا أصدق أن أوباما أمر بضرب داعش وقصفها جوا لأنها هجرت المسيحيين وتسببت بفرار آلاف الأيزيديين نحو الجبال، مع علمه أن صور النساء والأطفال العطشى بجبال سنجار التي ظهرت على أغلفة الصحافة ومواقع التواصل تعود لعام 1991، التقطها المصور العالمي بيتر ترونلي، للأكراد العراقيين الفارين إلى تركيا، وأعاد نشرها مجددا، وعلق عليها في صفحته وليس للأيزيديين الفارين من داعش إلى جبال سنجار اليوم. الأيزيديون فروا إلى الجبال من الرعب أسوة بفرار البيشمركة التي سلمتهم لقدرهم، ولو أرادت قتلهم لما سمحت لهم بالفرار وللاحقتهم أو قصفتهم.
داعش بنظر مجلس الأمن منظمة إرهابية لأنها دينية إسلامية متشددة، مع أنها لا تطبق من تعاليم الإسلام إلا القشور، ورخص تحت الفصل السابع للقوات الأميركية ضربها، ولو لم يوافق مجلس الأمن لضربتها أميركا أيضا، وسبق أن غزت العراق وهي دولة عضو في المنظمات الدولية من دون قرار مجلس الأمن، وتسببت بالكارثة من أولها حتى نهايتها. والسؤال الصعب ماذا عن بقية المنظمات الإرهابية غير الإسلامية، كتنظيم جيش الرب المسلح بقيادة جوزيف كوني الذي يتبع تعاليم الكتاب المقدس والمصنف باعتراف الأمم المتحدة إرهابيا وتلاحقه المحكمة الجنائية الدولية لتورطه بقتل مئة ألف مسلم في أفريقيا الوسطى بجريرة التمييز العنصري والطائفي؟ ولم يتجشم السيد أوباما ضرب هذه المنظمة الدينية الإرهابية المتطرفة، أو الحد من نشاطها. وهل كانت إسرائيل وهي تقصف غزة تضمد جراح الإنسانية أم ترتكب جرائم إبادة عنصرية؟ حماس إرهابية أيضا! والحوثيون اليمنيون المسلحون بأسلحة ثقيلة وخاضوا سبع حروب ضد الدولة وتمردوا على رعاية الأمم المتحدة والجامعة العربية لقرارات الحوار، ويهددون باجتياح العاصمة صنعاء كما اجتاحوا قبلها صعدة وحجة وعمران بقوة السلاح، أليسوا متشددين طائفيين؟ وحزب الله في لبنان حينما يقاتل في سوريا، هل يقاتل نصرة لقضايا إنسانية أم لدوافع طائفية تجمعه بالمجرم الإرهابي الأسد الذي تسبب بقتل 191 ألف سوري وهجر الملايين من دون حساب!
لن نذهب بعيدا، انتفضت ست محافظات عراقية واعتصمت سلميا سنة كاملة وناشدت العالم واستغاثت طلبا لحقوقها المسلوبة، وحذرت من خطورة نوايا جيش المالكي الذي تشكلت 95 % من مراتبه على أساس طائفي ولم يلتفت أحد، وهناك مليشيات إرهابية متشددة تدعي أنها إسلامية أيضا كجيش المهدي، وجيش المختار، وكتائب أبو الشهداء، وجيش الإمام، وبدر، وعصائب أهل الحق، وكلها طائفية بامتياز، يقتلون المصلين ويفجرون المساجد ويخطفون ويغتالون ويعتقلون ويسلبون وتحاصر المدن وتقصف بالراجمات والطائرات والبراميل المتفجرة، أربعة ملايين مهجر من المحافظات الغربية يعانون الفاقة والمهانة والذل منذ ثمانية أشهر والعالم يتفرج، ولم يحرك ساكنا، ولم تقدم لهم معونات إنسانية معتبرة ولم ينتصر لهم أوباما، وهو يستطيع بالهاتف وفق اتفاقية سحب القوات إعادة الأمور إلى نصابها.
لقد أصبح الإرهاب تهمة مجانية يوسم بها من يهدد مصالح الدول العظمى، أما بقية القتلة والسفلة فحمائم بيضاء للسلام! فلا عجب إذا أنجب الزمن ألف داعش مستقبلا، وكأني بهم قادمون على الطريق ينتظرون دولة عظمى تزودهم بالمال والسلاح كما زود غيرهم من قبل! وللكلام بقية.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .