العدد 2134
الإثنين 18 أغسطس 2014
banner
كيف ترك المالكي العراق؟ د.عمران الكبيسي
د.عمران الكبيسي
الإثنين 18 أغسطس 2014

ثماني سنوات نقدا وعدا حكم المالكي العراق حكما مطلقا، رئيسا للوزراء وقائدا عاما للقوات المسلحة، ووزيرا للدفاع والداخلية والأمن القومي، وبسط سلطته على البنك المركزي، ولجنة النزاهة، ومجلس القضاء الأعلى، والمحكمة الاتحادية، والمفوضية العليا للانتخابات بالأقارب والمحسوبين ترغيبا وترهيبا، وعطل سلطة مجلس النواب ورفض الحضور للمساءلة، وأصبح القائد المنظر، والآمر بالصرف، والحاكم بأمره.
لقد جنى العراق في حقبة المالكي من واردات بيع النفط ما يعادل أضعاف ما باعه العراق خلال 90 سنة من اكتشاف ثروته النفطية لارتفاع سعر البرميل ومعدل التصدير، فلا أحد يمكنه القول لم يسعفه الزمن، أو تنقصه الصلاحيات وقلة المال، فميزانية العراق السنوية تعادل ميزانيات مصر والأردن وسوريا واليمن ولبنان مجتمعة وعدد سكانهم مجتمعين نحو 170 مليون نسمة، بقدر سكان العراق خمس مرات، فما الذي فعله المالكي للعراقيين؟ وكيف ترك البلد؟
بعد ثماني سنوات خرج المالكي مرغما، تاركا العراق كأفقر دولة في القارة السوداء، بالإحصائيات الرسمية الموثقة، مليون و250 ألف أرملة، بحسب وزارة المرأة. وخمسة ملايين يتيم بتقدير وزارة التخطيط، وثلاثة ملايين شهيد وفق وزارة الصحة والطب العدلي، ونحو مليون مغيب مفقود بدعاوى مسجلة بوزارة الداخلية، وخرج الأميركان وفي سجلاتهم 120 ألف سجين ولدى حكومة بغداد وكردستان 340 ألفا آخرين وازدادوا عددا بالسنوات التالية، وفي مديرية الجوازات خمسة ملايين طلب لجواز سفر لمهجرين ومغتربين خارج العراق، وثلاثة ملايين ونصف مهجر في الداخل، وازداد عدد مرضى الإيدز المسجلين بوزارة الصحة من 115 حالة قبل الاحتلال إلى 80 ألفا.
وكان سجل المخدرات في العراق قبل الاحتلال نظيفا تماما، وتؤكد التقارير تفاقم تداولها اليوم بين الشباب بنسب مخيفة، مهربة من إيران. ويعيش 45 % من العراقيين بمستويات فقر متدنية وثقتها وزارة حقوق الإنسان، فارتفاع حالات الطلاق لصعوبة الحياة الاقتصادية وللشحن والفرز المذهبي الذي استجد وتفشى بين الأسر من ذوي المذاهب المختلفة حتى فاقت نسبته 75 % من مجمل حالات الزواج، أما البنية التحتية فشبه مدمرة بالكامل لما أصابها من تدمير مبرمج من قوات الاحتلال والحكومات التي تلتها، وبسبب شيوع الفساد وسرقة ما ينفق على المشاريع الجديدة وصيانة القديم منها، وتراجع مستوى التعليم الأساسي والعالي وبدأت بعض المنظمات كاليونيسكو تفكر بسحب اعترافها بالشهادات العراقية.
وعلى المستوى الأمني المرتبط بالسياسة للعلاقة الوثيقة بين التنظيمات الحزبية والكيانات الانتخابية والمليشيات التي دمج أفرادها في قوات الجيش والشرطة، ففي العراق 550 كيانا سياسيا بسجلات مفوضية الانتخابات، ونحو 12 ألف جمعية ومنظمة مجتمع مدني، بسجلات وزارة الداخلية ووزارة العمل والشؤون الاجتماعية، و126 شركة أمنية مسجلة بوزارة الداخلية لا تخلو من الارتباط بأجهزة مخابرات أجنبية، و50 ميليشيا مسلحة مرتبطة بالأحزاب بحسب وزارة الدفاع ووزارة الداخلية ولجنة دمج الميليشيات، أما الفوضى الإعلامية، فبلغ عدد الصحف الصادرة والمتوقفة 250 صحيفة، و70 محطة راديو، و50 قناة فضائية تلفزيونية، موزعة على أقمار صناعية بعضها مرتبط بإسرائيل و12 شبكة اتصالات لاسلكية قيمة كل شبكة 12 مليار دولار مملوكة لقادة الأحزاب والسياسيين داخل الحكومة كالطالباني والبرزاني والحكيم والجلبي، وأكثرها ممولة بطرق مشبوهة، والمرجع سجلات نقابة الصحافيين وهيئة الإعلام والترددات.
ويخدم في جهاز الدولة العراقية عشرات الآلاف من حملة الشهادات العامة والجامعية والعليا المزورة كمسؤولين وضباط ونواب ومديرين عامين وحزبيين قياديين والعهدة على هيئة النزاهة، وأحتفظ لنفسي بأسماء 450 أستاذا جامعيا بمختلف الاختصاصات اغتيلوا، و500 خطيب جامع ومؤذن اغتيل وفجر مسجده او صادرته جماعات اثنية أو أقفل. وعد العراق عام 1977 الأول عالميا بمحو الأمية باعتراف اليونسكو، أما جهاز الدولة الإداري والمالي فيسوده فساد كامل، وهناك نحو 200 إلى 250 مليار دولار لا يعرف مصيرها، وانتشر الابتزاز والاحتيال مجمل مؤسسات الدولة، وتقارير منظمة الشفافية العالمية تصنف العراق على رأس قائمة الدول التي ينخرها الفساد، وينعدم فيها الأمن، وأسوأ المناطق للعيش، وقد استشرى الاحتقان الطائفي والعنصري والطبقي فكثر الخطف والقتل والاغتصاب على الهوية، واغتصبت الأحزاب وكبار المسؤولين 12 ألف دار سكن وبناية خاصة ومقر رسمي وناد وشغلتها بلا مقابل. أما السرقات النفطية وبيع الأراضي الحكومية والمطارات والمصانع والبساتين والشواطئ والآثار فحدث ولا حرج.
هذه هي مكاسب السيد المالكي التي يريد أن يكافأ عليها بحصانة من حبل المشنقة، واسترجاع الأموال المنهوبة، ويريد منصبا سياديا قياديا يتبختر فيه أبوأحمد ويكمل المشوار، فهل عفا عن طارق الهاشمي والبعثيين من ملاحقة الاجتثاث؟ أم نسي قسم رسول الأمة، “والله لو أن فاطمة بنت رسول الله سرقت لقطعت يدها” وليس حزب الدعوة، فمن العدل كما دان غيره يدان، وإلا “كأنك يا أبا زيد ما غزيت”، و”الساكت عن الحق شيطان أخرس”.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .