+A
A-

العمل الحقوقي أقوى من الطائرة وتأثيره كبير في العلاقات الدولية

البلاد - إبراهيم النهام
أكد رئيس جمعية “كرامة” الحقوقية أحمد المالكي أن الشح المالي لا يزال العقبة الأولى يليه “المقر” وتعانيه “كرامة” وغيرها من الجمعيات الحقوقية الوطنية التي تدأب على العمل لكشف الحقائق وتوصيل حقيقة الصورة للداخل والخارج، وبعكس الجماعات الكهنوتية التي تضخ الأموال الهائلة لنصر قضيتها الباطلة. وزاد “هذا الفارق الكبير تجد ترجمته جليّة على أرض الواقع وينعكس على طريقة تعاطي الغرب والعالم الخارجي مع سجل البحرين في حقوق الإنسان”. وبين المالكي على هامش الحوار الصحافي الذي أجرته معه “البلاد” أن “الاستحقاقات الدولية على البحرين كبيرة ويمكن وصفها بالخطيرة، وأهمها المراجعة الدورية الشاملة في جنيف المقررة في شهر مارس المقبل، والبحرين ستقدم تقريراً طوعياً، وبيان الدول الـ 47 العام الماضي يوضح حجم التحديات القائمة التي تتطلب تكاتف الجهود”. وفيما يلي نص اللقاء:
- بعد سنوات عجاف، خرجت جمعية كرامة لتقدم الحقيقة ولتخدم الملف الحقوقي البحريني كما يجب، أين أنتم اليوم؟
جمعية كرامة لحقوق الإنسان تم إشهارها رسميا نهاية عام 2011م، ونشأتها كانت كرد فعل على إنشاء لجنة تقصي الحقائق برئاسة بسيوني للتحقيق في الأحداث، وكان التأسيس تلقائياً عفوياً، حين فوجئنا بأعداد كبيرة من المواطنين والمقيمين وأسر القتلى والمصابين يطرقون أبوابنا من أجل إيصال صوتهم للجنة الدولية.
وعندما سألناهم لماذا لم يلجأوا للجمعيات المشهرة رسمياً والعاملة في مجال حقوق الإنسان مثل الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان أو حتى مركز حقوق الإنسان (المنحل) قالوا إنهم يتجاهلونهم ويتبنون حالات بعينها فقط ولا يلتفتون للضحايا الأجانب ولا رجال الشرطة ولا المنتمين لطائفة معينة.
ولهذا قمنا بشكل سريع بتشكيل اللجنة الأهلية التي تبنت هذه الحالات وعقدت اجتماعات مكثفة مع اللجنة الدولية في سبيل إيصالها، وقامت كرامة بجهد كبير في هذا الشأن، وللعلم فإن “كرامة” من أكثر الجمعيات التي ذكرت في تقرير بسيوني من حيث الحالات التي أحالتها للجنة، وهذا بفضل الله ثم بفضل الجهد الاستثنائي الذي قام به الكادر المتطوع.
وبعد توثيق هذه الحالات بتقرير بسيوني، قدمت كرامة لمكتب التسوية المدنية التابع لوزارة العدل طلبات تعويض لأسر القتلى والمصابين، وتم بالفعل قبول طلبات حالات القتل التي قدمتها كرامة، وصرفت تعويضات لأسر الضحايا حتى تلك التي لم يرد ذكرها في تقرير بسيوني مثل حالة القتيل راشد المعمري، ومازلنا نتابع صرف التعويضات للمصابين والجرحى وأصحاب العاهات خصوصا لمن تضرر في أحداث 2011، وهذا يعني أن هناك بطئا شديدا في عملية الصرف لا نعلم سببه.
مازلنا منذ عام 2011م وحتى الآن نسعى لوضع البناء التحتي لكرامة، ونسعى باجتهاد لخلق كادر حقوقي متقدم قادر على استيعاب مسائل حقوق الإنسان والتعاطي باحتراف معها، ولا أخفيك أن المجال ليس سهلاً والموارد شحيحة جداً، ونواجه صعوبات وتحديات.

- ما أهم الخطوات التي أنجزتها كرامة خلال العام 2013؟
الانتهاء من مشروع كتاب يضع النقاط على الحروف في كثير من قضايا الصراع السياسي والحقوقي في البحرين، ويعتبر مرجعاً لا غنى عنه لمعرفة جوانب أساسية في أحداث 2011م وخريطة الصراع بشكل عام، كما يوثق الكتاب جهد كرامة خلال الفترة المنصرمة والحالات التي قدمتها للجنة بسيوني.
كما أننا نسعى للانتقال لمرحلة التكامل المحلي والدولي من خلال خلق شبكات لمجموعات تضم المنظمات العاملة في المجال بالبحرين، وجار التنسيق من خلال اللجنة العليا بمجموعة البحرين لحقوق الإنسان لخلق روابط دولية، تمكننا من الاستفادة من جوانب القوة التي تتميز بها كل منظمة من أجل نشر الوعي والثقافة وتعزيز وتنمية ثقافة حقوق الإنسان.

- هل استجابت الدولة وتعلمت من أخطائها أم لا يزال هنالك جوانب قصور متعددة؟ وما هي؟
على الدولة أن تفي بتعهداتها التي ألزمت نفسها بها فيما يخص ملف حقوق الإنسان، وعليها أن تتعلم من الأخطاء وتوفر بيئة مناسبة لاحترام حقوق الإنسان استناداً إلى الدستور والقوانين والمواثيق الدولية ذات العلاقة، ونحن لسنا بصدد الدفاع أو تلميع صورة الدولة أو سجلها في ملف حقوق الإنسان أو غيره، فنحن لم ننشئ جمعيتنا لهذا الغرض، وليس هذا واردا في أجندتنا.
إن ملف حقوق الإنسان ليس مجرد علاقات عامة وعلى الدولة وضع متخصصين في مواقع القرار الحقوقي، قادرين على إدارة الملف بشكل احترافي بعيدا عن العشوائية والتخبط، وأن يدرك الجميع أن هذا الملف أصبح أقوى من الطائرة والدبابة وتأثيره جوهري فيما يتعلق بالعلاقات بين الدول والسياسة الدولية برمتها.

- تعاني أغلب الجهات الحقوقية من شح الدعم المالي رغم الأهمية الاستراتيجية للدور المناط بها، وأنتم بكرامة لستم بمعزل عن ذلك، ماذا بعد؟
نحن غير قادرين حتى على تغطية أبسط الالتزامات المالية، ولدينا شح في الموارد والكوادر، ونعاني من عدم إدراك غالبية الناس للأهمية الاستراتيجية لجمعيات حقوق الإنسان وأثرها على مصيرهم ومصير البحرين: الدولة والمجتمع، ولهذا يتعذر علينا الحصول على كوادر وطاقات كافية تساعدنا، كأننا نسير في بحر أمواجه متلاطمة نتحسس فيه الطريق جاهدين، وللأسف الغالبية منشغلة بالأمور الحياتية والاستهلاكية وغائبة عن الانخراط في أنشطة حقوق الإنسان، وهذا أمر خسائره كبيرة على البحرين.

- لماذا لا ينصت الغربيون لكم؟ وكيف نستطيع أن نوصل حقيقة الصوت بظل كل هذه التحديات التراكمية؟
الجهات الغربية تنصت لنوع محدد فقط من المؤسسات، ولا يوجد إخلاص في هذا الملف، فحقوق الإنسان في أغلب الأحيان تستخدم كأداة لتحقيق أهداف سياسية ومصالح ومكتسبات، ولنا تجارب مريرة في هذا الشأن مع منظمات مثل “هيومن رايتس فرست” و”هيومن رايتس ووتش” وغيرها، والطريق طويل ولا مفر من الصبر والمثابرة والعمل الجاد وعدم اليأس، وذلك من أجل مصلحة البحرين.

- هل أنت متفائل من التقييم الدوري للملف الحقوقي البحريني الذي سيسدل الستار عنه بمارس المقبل؟
الاستحقاقات الدولية على البحرين في عام 2014م كبيرة ويمكن وصفها بالخطيرة، وأهمها المراجعة الدورية الشاملة في جنيف المقررة في شهر مارس المقبل، والبحرين ستقدم تقريراً طوعياً، وبيان الدول الـ 47 العام الماضي يوضح حجم التحديات.
الملفت أن أميركا وبريطانيا من الموقعين على هذا البيان، وهو بيان يُصفّر تماماً سجل البحرين فيما يتعلق بتوصيات بسيوني أو توصيات مجلس حقوق الإنسان وهو أمر لاشك ظالم وتختلط فيه السياسة بحقوق الإنسان بشكل كبير.

- يردد البعض أن الدولة لم تقم بواجبها كما يجب تجاه عوائل شهداء الواجب، كيف ترى ذلك؟ وهل لديك شواهد؟
هناك تعويضات صرفت لأسر القتلى من رجال الشرطة الوارد ذكرهم في تقرير لجنة بسيوني بواقع 60 ألف دينار لكل حالة، وهذا وحده لا يكفي، ويجب أن تسري العملية القانونية والقضائية على الجناة، وأن يتم إنصاف القتلى من جميع الجهات شرط أن يثبت القضاء أن القتل تم خلافاً للقانون وليس دفاعاً عن النفس.
ولا يجب أن يسمح بتجاوز حقوق الإنسان من أية جهة كانت، كما نتطلع لتمرير المقترح بقانون الذي يبين حقوق أسر الشهداء والمصابين بعاهات مستديمة ويلزم الجهات الرسمية بذلك والذي تقدم به النائب عبدالله بن حويل.

- هل تجد الزيارات التي تقوم بها الوفود النيابية والشورية للاتحاد الأوروبي والمنظمات الأجنبية مجدية؟ لماذا؟
التواصل النيابي والشوري مع الخارج أمر لابد منه، ولكن لا يجب أن تقوم الوفود بالتحدث بلسان الحكومة، فهذا يطعن في المصداقية، وعليهم أن يوضحوا حقيقة الصورة وينتقدوا الأخطاء سواء صدرت من الدولة أو من غيرها.
وللأمانة هناك إنجازات حقيقية في مجال حقوق الإنسان يجب الفخر بها وإخبار الرأي العام المحلي والدولي بها، ليس من باب النفاق ولكن من باب تشجيع الدولة على تقديم المزيد ووقف التدخلات المشينة في شؤون البحرين وتهديد أمنها باسم حقوق الإنسان.

- لم لا نرى تحركات واسعة للوفود الأهلية للخارج؟
القضية أكبر من ذلك، وتحرك الوفود الأهلية بالخارج قد لا يكفي وحده، والإشكال أن ملف حقوق الإنسان لا يحتل مكاناً على أجندة الساحة ولا يشكل هاجساً حقيقياً بعيدا عن مجرد التمنيات، فكما قلت سابقاً الناس مبتعدة ومستغرقة في الأمور الحياتية والاستهلاكية وتكتفي بالشجب والإدانة ولكنها لا تعمل على الأرض ولا تقدم بعضا من وقتها من أجل هذه القضية المصيرية، في حين ان جهات محددة منخرطة حتى أخمص قدميها في مجال حقوق الإنسان ومنذ عقود مضت، وليس لدينا اعتراض على ذلك إذا كان هناك إخلاص منها في العمل ويتم التعامل مع حقوق الإنسان بعيدا عن السياسة والحسابات والابتزاز.
لكن الإشكال يكمن في أن هذه التيارات الكهنوتية لا تؤمن أصلاً بمبادئ حقوق الإنسان وتستغلها فقط لتحقيق مشروعها السياسي، وللأسف حققت بالفعل اختراقات مهمة لكثير من المنظمات والحكومات الغربية وقدمت نفسها على أنها مخلصة لحقوق الإنسان وليس لديها مشروعات سياسية.