+A
A-

قصيدتي تقاتل حتى آخر حرف تتبلل بالدمع حينا وتطير بأجنحة من أمل

هدير البقالي:
قد تبدو القصيدة انها لا تمارس أهواءها على يد ناحتها، إلا أنها تتمرد في كل نص تستشعره - تستملكه -تستثيره، كما أن القصيدة تتمرغ في صورتها التي تحيط في هالة الحالات التي تعبث معها، في شكلها وبروزها لتكون خارج النص وبتمرد واضح، ليس لأنها هي، بل لأنها الشاعرة زهراء المتغوي التي مازالت تبحث بحبرها في قامات الحياة-الإنسان-الوجود، لتقطف سيرة لكل رواق، ومكان، ورائحة، هي بنصها المقلوب تدير للإنسانية معاني ورموزا لا تتصدع مع التراكمات الحسية ولا التغيرات البشرية، فهي تؤمن بالتقاطعات الوجدانية بين الحلم والواقع، وبين الأنين والشغف، ولا تخطو إلى التزام الصمت لأنها تختلق رسمها للحياة في نصها التواق للمغايرة، في هذا السياق نستشف ما تروم إليه الشاعرة زهراء المتغوي في وليد باكورتها الثانية “سيمياء الحلم”:
ما الذي تحاولين قوله في ديوانك الجديد؟
في صخب القصيدة وتنامي سيمفونيتها الملحّة في الذاكرة، لا يمكن لسيمياء الحلم إلا أن يتمرد على التصنيف ويحتفي بشعرية الإنسان، الإنسان الرمز والإنسان الذات والإنسان العاشق وذي الضمير الحي والأحاسيس المرهفة، وبغض النظر عن كون الحديث إراديا أو خارج طقوس الإرادة فالسيمياء تشكل نقطة تقاطع بين الحلم المجازي برمزه والواقع المحرّض بحضوره.
أتعتقدين أن الشعر يعالج القضايا المتعسرة بالحياة؟
الشعر كائن أسطوري متناقض يمكنه أن يرسم بيده اليمنى قمرا في عتمة، وبيده اليسرى تنهيدة ترتطم بقاع الأرواح.
وهو ليس طبيبا محترفا، هو مصور بارع ليس إلا، لا يكذب إنما يضيف للحقيقة تحسينات مبتكرة، لا يمكن للجائع أن يشتري خبزا ببيت شعر ولا حزينا أن يبكي أزهارا وردية، بيد أن “طبطبة” القصيدة على كتف المكسور ربما تجبره لو آمن الشاعر والمكسور معا بجدوى الشعر في هذا الزمن الأرعن.
برايك أمازال الشعر يأخذ خطاه نحو مخاطبة الذات قبل الآخر؟
الشلال يغني بصوت الغابة، ويتمايل برياحها، وإذا غنى الشلال لذاته سوف ينفجر، النفوس القاحلة تحتاج الشاعر، تروى بانفعالاته، والآخرون هم مجرى البوح والتنفس، الأوراق المدفونة في الأدراج لا قيمة لها، كلما تنفسها صبح الآخر أورقت، أتمنى أن تجد السيمياء في قلوب الأحبة مجرى عذبا، ليسمع الكون خطاها.
ماهية الذاكرة والمكان والإنسان أتضج في نصوصك وماذا تلتمسين منها؟
كل ما أعرفه أن الحرف الصادق عصي عن النسيان، أفخر إن تذوقه البعض أو استمع إليه من ألحان متعددة فميزه عن غيره، لأن الشعر كالمدينة القديمة، تتميز حتى بلون طرقها وببغاواتها وشحاريرها وإنسانها الأصيل الطيب.
ماذا عن الكوميديا الشعرية هل النص قادر على التكيف معها وهل قمت بتجريبها ضمن قصائدك؟
بعد تجربة “بأي ذنب قتلت؟” وهطوله من حنايا الشعور الوجداني والنفس الرثائي المحمل بالحزن، تأتي السيمياء مثقلة بالحياة والفرح والحب، ورغم كتابتي للكثير من القصائد الكوميدية إلا أنني لم أستحضرها في ذاكرة السيمياء لاختلافها عن جوه الرمزي والعاطفي.
هل جعلت القصائد تحكي عن ملذاتها وأحلامها بصورة عكسية وغير اعتيادية للمتلقي؟
القصيدة لدي تقاتل حتى آخر حرف، تتبلل بالدمع حينا، ولكنها تطير بأجنحة من أمل، لا تصل لقاع اليأس إلا لتصعد لسطح الثقة بالله والشعر والجمال، وعندما أكتب أنني “لست حزينة” فهذا يعني أن حمامات الروح تحلق حول النقطة الحرجة.
من ذلك، قولي في قصيدة: لست حزينة
“أتنرجسُ بوصلة حيرى
وهسيس التيه يورطني
ومخاض الحرف يخاصرني
تتفتح قبلة آلامي
وأناي الباكية الثكلى
تختزل الشعر بعينيها
“لستُ حزينة”.

المجاز والرمز أهما محور تنظيرك بالقصائد؟
من قصيدة البكاء على يدي حجر
“بقبري غدا
حين يدرج نهر العناق لعينيك
تنسى المواعيد أنفاسها
كالحجارة
حين تهامي نخب السواقي
وتسجدُ مفتونة بالأراك”.
كي تصل لضفة الشعر، لابد من قارب المجاز، الحروف ليست صماء، ولا تلتزم الصمت، إنها تخلق وترسم وترقص وتتلون، والناظر المتوسم لن يرى من الاسم والفعل سوى تشبيهات تمثيلية تضج باللون والصوت والحركة، أتمنى فقط لكل من يدخل السيمياء أن لا يخرج منها، لنحقق الحلم معا من أول “وقفة على أعتاب الحاء” ومرورا بـ “أشهى غابات العطر” وانتهاء بـ “ذاكرة الظمأ”.