تخضع التقاليد العريقة للحرف اليدوية في البحرين لتحول ملحوظ مع تزايد الطلب على السياحة التراثية والمنتجات الحرفية. وبينما تظل الحرف التقليدية حجر الأساس للهوية الثقافية للمملكة، هناك حاجة ملحّة لتحديث هذه الحرف دون المساس بأصالتها.
تتشابه دول الخليج في تضاريسها الجغرافية ومواردها وثقافاتها، مما ساهم في تكوين تقاليد متقاربة تعزز الشعور بالوحدة الإقليمية. وبنظرة عامة، فان هذه الفكرة صحيحة، لكن عند التعمق في التفاصيل الثقافية لكل دولة، يظهر شيء من الخصوصيات النسبية التي تميز بشكل ما منتجاتها التراثية في كل مجتمع وكل ثقافة عن أخرى.
عند تجاهل خبراء المنتجات السياحية التراثية ما يحتويه الكل الخليجي المتشابه من تلك الخصوصيات النسبية والمتميزات المحلية يخلق مشكلة عندما يواجه الحرفيون في دول مجلس التعاون الخليجي تحدياً يتمثل في وفرة المنتجات التقليدية المتشابهة في الأسواق الإقليمية، مما يؤدي إلى اكتفاء السائح بشراء الحرف التقليدية من وجهة واحدة بدلاً من اقتنائها من عدة دول.
بالنسبة للحرفيين البحرينيين، يشكل هذا الوضع معضلة. فمن دون فهم كيفية إبراز تراثهم الثقافي الفريد ضمن سياق وعاء منطقة الخليج الأوسع، يخاطرون بفقدان فرصة تسويق منتجاتهم التراثية السياحية وسط المنتجات المتشابهة القادمة من الدول المجاورة، مما قد يؤثر سلباً على استدامة صناعتهم ومصدر رزقهم.
تهدف هذا المقالة إلى تحليل هذه المشكلة واقتراح حلول تساعد الحرفيين في البحرين وفي كل دول مجلس الخليج على بناء هوية متميزة لمنتجاتهم، بحيث تجذب السياح والسكان المحليين على حد سواء، وتضمن استمرارية الحرف التقليدية.
فمن خلال تتبع تجربة مفوضية هيئة تطوير الحرف اليدوية نيودلهي، الهند وهي جهة واجهت منذ عهود معضلة تحقيق التوازن بين الحفاظ على الثقافات الهندية المتشابهة عبر ابراز خصوصياتها النسبية ومن ثم التكيف مع متطلبات السوق الذي لا يتوقف عن التطور ورسمت استراتيجية لفهم شقي "الأصالة" وشق "تطور ذائقات" السياح.
عليه بعد اجراء حوارات مع بعض الحرفيين البحرينيين والسعوديين وأصحاب المتاجر ومع الزوار والسياح، يتضح أن المنتجات التراثية لا تزال تحظى بتقدير كبير، ومع ذلك، هناك طلب متزايد على تعديلات إبداعية تتماشى مع أنماط الحياة الحديثة. وبينما تظل "الأصالة "عنصراً أساسياً، يدرك الحرفيون وأصحاب الأعمال الحاجة إلى المزج بين التقاليد والعملية والجماليات العصرية.
المحصلة من كل هذا هو بروز ثلاث عناوين رئيسية تندرج تحتها منتجات التراث السياحية التي قد تلعب دوراً محورياً في تشكيل مستقبل قطاع الحرف اليدوية في البحرين:
1. المشغولات التقليدية – الحفاظ على الهوية الثقافية
2. المشغولات المتطورة – المزج بين التراث والحداثة
3. المشغولات المتخصصة – تلبية احتياجات المستهلكين المتنوعين
1. المشغولات التقليدية – الحفاظ على الهوية الثقافية
تمثل هذه القطع نسخاً طبق الأصل من المشغولات التاريخية، حيث تحافظ على شكلها الأصلي ووظيفتها وأساليب صناعتها التقليدية. وتلعب هذه المشغولات دوراً أساسياً في نقل التراث الثقافي البحريني إلى الأجيال القادمة.
أمثلة في البحرين:
- الفخار العلوي المصنوع باستخدام تقنيات قديمة.
- المجوهرات الذهبية البحرينية التقليدية ذات التصاميم الخليجية المتقنة.
- السلال اليدوية (المحفّة)، التي كانت تستخدم للتخزين والاستعمال اليومي.
يقدر السياح وهواة الجمع هذه المشغولات باعتبارها رموزاً خالدة لتاريخ البحرين.
2. المشغولات المتطورة – المزج بين التراث والحداثة
تحتفظ هذه المنتجات بجوهر الحرف التقليدية لكنها تدمج مواد وألواناً ووظائف حديثة، مما يعكس كيفية تكيف الثقافة مع احتياجات المستهلكين المعاصرين دون فقدان هويتها الأصلية.
أمثلة في البحرين:
- دمج أنماط السدو في الحقائب العصرية وأزياء الرفاهية.
- إعادة تصميم الفخار التقليدي ليصبح جزءاً من ديكور المنازل الحديثة.
- الأثاث الخشبي المحفور يدوياً المستوحى من الزخارف البحرينية لكنه مصمم ليناسب المساحات الحديثة.
تضمن هذه التحديثات استمرار الحرف اليدوية في السوق وتحقيقها رواجاً بين المستهلكين المعاصرين.
3. المشغولات المتخصصة – تلبية احتياجات المستهلكين المتنوعين
من خلال التعرف على احتياجات المستهلكين المختلفة، يمكن للحرفيين تصميم منتجات مخصصة تستهدف فئات معينة من الجمهور، مما يزيد من جاذبيتها ويعزز فرص انتشارها.
الفئات المستهدفة:
- مشغولات للأطفال:
- ألعاب خشبية تفاعلية مستوحاة من الفلكلور البحريني.
- كتب قصصية مصورة تسلط الضوء على الحرف التقليدية والتراث.
- مشغولات للنساء:
- مجوهرات يدوية تمزج بين زخارف اللؤلؤ البحريني والتصاميم العصرية.
- إكسسوارات منزلية مزينة بأنماط تراثية بلمسات حديثة.
- مشغولات للرجال:
- خناجر بحرينية تقليدية مصممة كمقتنيات.
- منتجات جلدية منقوشة بزخارف ثقافية.
- مشغولات منزلية:
- سجاد ومنسوجات يدوية بألوان حديثة.
- قطع أثاث بتصاميم مستوحاة من الفن البحريني.
- مشغولات للحدائق:
- منحوتات ونوافير مستوحاة من تاريخ البحرين.
- أواني زراعية فخارية بلمسات تراثية.
- مشغولات المطبخ:
- صحون تقديم وأباريق قهوة خزفية تمزج بين التراث والعملية.
- أدوات طهي نحاسية مصنوعة يدوياً مستوحاة من التراث البحريني.
توسيع نطاق الحرف اليدوية البحرينية من خلال التكامل الرقمي والسياحي
لدعم الحرفيين البحرينيين وتعزيز الحرف التقليدية على المستوى العالمي، يمكن للبحرين الاستفادة من الأسواق الرقمية المشابهة لمنصات “Craftsvilla و Okhai " في التجربة الهندية، مما يتيح للحرفيين المحليين بيع منتجاتهم مباشرة إلى المستهلكين. كما أن إنشاء منصة رسمية عبر الإنترنت لن يروج فقط للحرف البحرينية الأصيلة دولياً، بل سيتضمن أيضاً نظاماً لشهادات الأصالة، مما يحمي الحرفيين من المنتجات المقلدة.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يسهم دمج الحرف اليدوية في السياحة التراثية في البحرين بشكل كبير في تعزيز هذا القطاع. فمن خلال إقامة ورش عمل حية في المعالم الثقافية مثل مسار اللؤلؤ، وتنظيم مهرجانات سنوية للحرف اليدوية، تستطيع البحرين تقديم تجارب تفاعلية تمنح السياح فرصة للتفاعل المباشر مع الحرفيين، مما يساهم في الحفاظ على الحرف التقليدية وتعزيز النمو الاقتصادي.
ختاما لضمان الحفاظ على الحرف البحرينية الأصيلة، يمكن اقتراح إصدار شهادات توثيق تحدد مستوى التزام المنتجات بالتقاليد الحرفية.
أنواع الشهادات المقترحة:
شهادة المشغولات التقليدية: تمنح للمنتجات التي تحتفظ بنسبة 90% أو أكثر من تقنياتها الأصلية، باستخدام المواد والزخارف التقليدية.
شهادة المشغولات المتطورة: مخصصة للمنتجات التي تحتفظ بنسبة 75% على الأقل من أصالتها مع دمج بعض التحديثات.
شهادة المشغولات المتخصصة: تمنح للمنتجات التي تتضمن 50% على الأقل من العناصر التراثية في تصاميم معاصرة.
توفر هذه الشهادات الشفافية للسياح والمشترين، وتعزز من قيمة المنتجات الحرفية البحرينية.
اخصائي تراث وسياحة
هذا الموضوع من مدونات القراء |
---|
ترحب "البلاد" بمساهماتكم البناءة، بما في ذلك المقالات والتقارير وغيرها من المواد الصحفية للمشاركة تواصل معنا على: [email protected] |