العدد 5673
الجمعة 26 أبريل 2024
banner
د. جميلة السعدون
د. جميلة السعدون
أبديون.. قراءة لما بين السطور
الثلاثاء 21 ديسمبر 2021

أثار فيلم "أبديون" (Eternals) منذ بداية إطلاقه -في مطلع شهر نوفمبر من هذا العام 2021- ردود أفعال متفاوتة، حيث تناولته عدة مواقع متخصصة بالنقد والتحليل بشكل لافت. وقد تم منع عرض هذا الفيلم في عدة دول عربية منها البحرين والسعودية والكويت، يعتبر فيلم "أبديون" من أفلام الخيال العلمي والأكشن الجيّدة من ناحية المؤثرات البصرية والسمعية، ومن ناحية تمكّن أبطاله من الأداء الدرامي بشكل محترف.

الفيلم مكون من شخصيات حقيقية ومؤثرات بصرية لشخصيات خيالية قامت شركة ويتا ديجيتال (Weta Digital) بقيادة وإشراف مات إيتكن (Matt Aitken) بتصميمها. هـذا الفيــلم من إخــراج كلوي جاو (Chloé Zhao) التي شاركت في كتابة السيناريو مع باتريك بورلي (Patrick Burleigh)، ومن إنتاج شركة مارفل ستوديوز -المعروفة بإنتاج قصص وأفلام الأبطال الخارقون مثل سلسلة أفلام الرجل الحديدي (Iron Man)، ثور (Thor)، وسلسلة أفلام المنتقمون (Avengers)، وغيرها- ومن بطولة مجموعة تعتبر كبيرة جدًا من نجوم هوليوود ونجوم السينما العالمية مثل:

جيما تشان (Gemma Chan) في دور سيرسي، وأنجلينا جولي(Angelina Jolie) في دور ثينا، وريتشارد مادن (Richard Madden) في دور إيكيريس، وسلمى حايك (Salma Hayek) في دور إيجاك، وكوميل نانجياني (Kumail Nanjiani) في دور كينجو، وبرايان تايري هنري (Brian Tyree Henry) في دور فاستوس (وهذا هو أول بطل خارق شاذ جنسيًا حسب علمي).

الأبديون هم مجموعة من الأبطال الخارقين الذين يمتلكون قدرات خاصة، وقد تم تقديمهم لأول مرة في عام 1976 من قبل شركة مارفل كومكس. هذا المقال يركز على فكرة استفزتني شخصيًا ووقفت عندها كثيرًا ولسان حالي يقول: الهيمنة الإعلامية الأمريكيةوغسل الدماغ المسلم.. إلى أين؟

أحاول في هذا المقال تسليط الضوء على فكرة الشرك بالله وتزييف حقائق الخلق، وكيف قدمتها الشركة المنتجة للأجيال الشابة بشكل مستساغ من خلال توظيف الأفلام التي تستهويهم كأفلام الخيال العلمي وقصص الأبطال الخارقين. سأستعرض في مقالي هذا بعض أحداث القصة كما جاءت في الفيلم وليس كما جاءت في كتب الكومكس (حيث أن هناك بعض الاختلافات بين النسختين)، كما أنني أسرد هذه المقتطفات مستغفرة الله العلي العظيم منالمغالطات التي وردت فيه. وهذا التجرد ليس بتجاهل لما ورد ولكنه عرض لهذه الخيالات السردية كما جاءت في الفيلم. (هو أمر شبيه بقراءتنا المتجردة للأساطير الوثنية الإغريقية القديمة).

تدور أحداث القصة حول ثلاث مجموعات تم خلقهم من قبل الآلهة السماويون (Celestial Gods) وهم: الأبديون (خُلقوا قبل 7000 سنة) والمنحرفون (Deviants)، والبشر.

في البداية الاستهلالية للفيلم تَظهر الكتابة التقديمية التالية: (الترجمة هنا هي اجتهاد مني)

"في البداية...

قبل المتفرّدات (Singularities) الست وبدء الخليقة، خَلَقَ أريشِم (Arishem) -السماوي الأعلى- الشمسَ الأولى وجلبَ الضوء للكون؛ فبدأت الحياة وازدهرت. لقد كان كل شيء في حالة اتزان. إلى أن ظهرت من عمق الفضاء أنواع غير طبيعية من الكائنات المفترسة والتي كانت تتغذى على المخلوقات الذكية، وكانت تعرف بالمنحرفين، فأضحى حينها الكون في حالة من الفوضى.

ومن أجل استعادة النظام الطبيعي في الكون أرسل أريشِم الأبديين -وهم أبطال خالدون من كوكب أولمبيا- للتخلص من المنحرفين.

كان إيمان الأبديون بأريشِم ثابتًا إلى أن تم تكليفهم بالمهمة -التي غيرت كل شيء- بقيادة الأبدية العليا إيجاك".

وقبل متابعة الفيلم ومن خلال هذه المقدمة فقط يدرك المشاهد أن ما سيأتي عبارة عن خلط ونسف وتلفيق لكل المسلمات التي نعرفها كمسلمين (ويعرفها كذلك أهل الكتاب من اليهود والنصارى) عن وحدانية الخالق وخلقه للسماوات والأرض. وفي قراءة بسيطة للاسم أريشِم -الاسم الذي أُسنِدَ للشخصية الديجيتالية في الفيلم والتي تمثل السماوي الأعلى وليس الخالق الأوحد- نجد ارتباطًا وتشابهًا -إلى حدٍ ما- مع كلمة (Hashem) والتي تعني لفظيًا "الاسم" وهي كلمة عبرية تعني الله. لا أستغرب هذا الارتباط خاصة وأن مؤلف الأبديون والسماويون جاك كيربي (Jack Kirby) هو يهودي الديانة.

بالنسبة لي كمشاهدة عادية وجدت أن أكثر ما أثار استيائي هو الحوارات التي دارت بين أريشِم وبين شخصيتين هما إيجاك وسيرسي. على الرغم من وجود فكرة خطيرة أخرى نقلتها السينما العالمية هنا لأول مرة (حسب علمي) تختص بوجود بطل خارق شاذ جنسيًا! لكن هذه الفكرة المبتذلة لها كارهون ورافضون كُثر رغم المحاولات المستميتة لبعض الحكومات كالولايات المتحدة لفرض القبول التام لفكرة الشذوذ الجنسي في العالم بشكل عام وفي بلدان العالم الإسلامي بشكل خاص. نعم هو شذوذ وليس له مصطلح تخفيفي آخر ككلمة المثلية (التي اخترعوها ليخففوا من وقع المصيبة حسب رأيي المتواضع).

من جميل ما قرأتُ اليوم خبرٌ تَحَدّثَ عن قيام المملكة العربية السعودية حفظها الله بإلقاء كلمة في الأمم المتحدة أكدت فيه "على أن الطبيعة الإلهية هي أن الله خلق زوجين اثنين "الذكر والأنثى"، وما هو غير ذلك فهو يتعارض مع هذه الطبيعة والفطرة التي خلق الله بها الأرض ومن عليها". لن أخوض في هذه الفكرة في مقالي هذا،وسيكون تركيزي على الموضوع الأكثر أهمية -حسب وجهة نظري-وهو الاستخفاف بالخالق عز وجل (تعالى الله عما يصفون) وعن قضية الشرك التي يقدمها هذا الفيلم بسذاجة مُنفّرة.

الحوارات التي سأتناولها هنا تَحدُث في الفيلم عن طريق التخاطر، حيث تنتقل فيه الشخصية المتحاورة إلى عالم افتراضي تتقابل فيه مع أريشِم وهو شخصية ديجيتالية مصمَّمَة بشكل هزيل حسب رأيي؛ ففكرة السماوي الأعلى لابد وأن تكون أفضل من مجرد رسم ثلاثي الأبعاد يشبه شخصيات المسلسل الكارتوني جيريندايزر!ولوضع قارئ المقال أمام هذه الحوارات فقد قمت بترجمتها حسب قدراتي المتواضعة في الترجمة من اللغة الإنجليزية إلى اللغة العربيةوسأنقلها هنا حرفيًا. الحوار الأول؛ حوار إيجاك مع أريشِم:

تقول إيجاك -بعد حدوث هجوم من قبل المنحرفين على مدينة بابل: نحن نستمر في الدفاع عن بابل ضد المنحرفين. لقد أتى المزيد من الناس إلى بابل بحثًا عن المأوى. إنها الآن أكبر مدينة على وجه الأرض.

أريشِم: يُكملُ الأبديون مهامهم عبر جميع المجرات، هم سوف يتعلمون من نجاحاتك.

إيجاك: شكرًا لك. أنا أحترم رؤيتك العظيمة يا أريشِم... لكنني لاحظت أن هناك شيئًا مميزًا حول هذا الكوكب.. وأخشى.. ربما هذه المرة أن يكون الثمن.. يقاطعها هنا أريشِم ويقول: لا تكوني على تواصل مع هذا الكوكب. يجب أن تركزي على الهدف الحقيقي لمهمتك.

إيجاك: مفهوم.. ولن أخذلك.

إلى هنا يعتبر هذا الحوار -على الرغم من رفض أريشِم لرأي إيجاك حول تميّز الأرض وسكانها- عاديًا نوعًا ما. حتى جاء الحوار الثاني مع الشخصية الثانية سيرسي.

سيرسي: لقد قُتِلَتْ أيجاك على يد أحد المنحرفين الذي قام -حسبما نعتقد- بامتصاص قوتها، وأن هناك أمرًا غير عادي يحدث للأرض.

أريشِم: هذا عَرَضٌ من الأعراض الجانبية للنشوء.

سيرسي: النشوء؟

أريشِم: لقد حان الأوان لتعرفوا الهدف الحقيقي لمهمتكم. لقد تم إرسالكم إلى الأرض من أجل المساعدة في ولادة تياموت سماوي. ففي كل مليون سنة يجب أن يولد سماوي جديد. أنا أزرع بذورهم في جميع أنحاء الكون. وقد تم اختيار الأرض لتكون الحاضن لتياموت. يحتاج التياموت لكي ينمو إلى طاقةِ كل أشكال الحياة الواعية. لكن المنحرفون تدخلوا في هذه العملية وقاموا بالتهامالبشر، إلى أن قضى عليهم الأبديون. الآن.. وصل عدد سكان الأرض إلى العدد المطلوب.. وقد حان موعد النشوء.

سيرسي: ولكن.. سوف يموت كل شخص على وجه الأرض!

أريشِم: نهاية البعض يا سيرسي هي بداية للآخرين. الأكوان في حالة تبادل مستمر للطاقة؛ حلقة لا نهائية من الخلق والدمار. يستخدم السماوييون الطاقة التي يجمعونها من الكواكب المُضيفة ليخلقوا الشموس، والتي بدورها تولّد قوة الجاذبية والحرارة والضوء حتى تتشكل المجرات الجديدة. بدوننا.. سوف يغرق الكون كله في الظلام، وكل أشكال الحياة سوف تموت.

سيرسي: هل عَرَفَتْ إيجاك ذلك؟

أريشِم: لقد ساعَدَتْ إيجاك عبر ملايين السنين على ظهور ونشوء العديد من السماويين، كما ساعدتِ أنتِ.

سيرسي: لقد كانت الأرض هي مهمتي الأولى! كنتُ في موطني أولمبيا..

أريشِم: أولمبيا لا وجود لها. هذا هو منزلك الحقيقي يا سيرسي: مصنع العوالم.

سيرسي: الكل يموت ما عدانا.. لأننا لم نكن أحياء أصلا! لماذا لا أذكر أي شيء من هذا؟

أريشِم: لأننا نقوم بمحو ذاكرتك وإعادة ضبطها بعد كل مهمة، ونقوم بتخزين الذكريات هنا.

سيرسي: لماذا تحتفظ بها؟

أريشِم: أحتفظ بها لدراسة المنحرفين لنفس السبب الذي خلقتكم من أجله. كل كوكب مُضيف لسماويٍ جديد يكون له مفترسين خاصين به، فأرسلُ لهم المنحرفين ليقضوا على المفترسين حتى تنمو أشكال الحياة الذكية. لكن كان هناك خلل في تصميم المنحرفين.. فعند تطورهم أصبحوا هم أنفسهم مفترسين. وقد فقدت السيطرة عليهم. لقد خلقتكم وبرمجتكم أنتم الأبديون لتكونوا كيانات اصطناعية غير قادرة على التطور.. لكي أصحح خطئي. لقد اختارتكِ إيجاك لتحلي محلها.. لتكوني الأبدية الأسمى. لا تخذليني.

لا أتصور أن تكون هذه كلمات وجمل يسمعها جيل الشباب لإله يخطئ ويفشل ويتلقى تساؤلات تشكيكية مهينة من مخلوقاته، ولا يجد غضاضة كذلك في موتهم وفنائهم في سبيل ظهور آلهة أخرى!

من الجدير ذكره أن هناك بعض المواقع الأمريكية (التي تؤمن بالديانة المسيحية) والمتخصصة في كتابة مراجعات حول الأعمال الدرامية قد تفاجأت من هذه الوثنية التي عرضتها شركة مارفل في فيلمها. منها موقع (movieguide.org) حيث جاء في مراجعتهم: "الجانب الأكثر إحباطًا في قصة "أبديون" هو أساطيرها الوثنية الزائفة. لأول مرة في أفلام الأبطال الخارقين تقرر شركة مارفل إزالة إله الكتاب المقدس تمامًا من الخلق ومن تاريخ البشرية. على الأقلفي الكتب المصورة (التي عرضت قصة الأبديون لأول مرة) كان هناك كائن أسمى في نهاية المطاف يخلق السماويين".

كما جاء في الموقع أيضًا كخاتمة "لو قام صانعو الفيلم بتغييرالقصة بحيث يتم الإشارة إلى إله الكتاب المقدس أو على الأقل ذكر إله التوحيد، ولو أنهم قاموا أيضًا بحذف المشهد الجنسي، لكان بإمكان موقع دليل الأفلام إعطاء فيلم "أبديون" درجة ناقص واحد فقط، كما ستكتب تحذيرًا للأطفال الأكبر سنًا. ومع ذلك فإن "أبديون" لا يستحق حتى الحذر الشديد. إنه فيلم خيال علمي وثني غير مقبول ومعاد للمسيحية وربما يرى المشاهدون من ذوي الحكمة الإعلامية تجنب مشاهدته".

ربما لا يحتمل الفيلم مراجعتي هذه، وربما كان تحيّزي سلبيًا للفكرة على حساب العمل نفسه، لكنني أتمنى فعلا من حكومات الدول العربية والإسلامية أن تستمر في منع عرض هذا الفيلم ومحاربة تدفق هذه الأفكار الشركية إلى عقول أبنائنا من خلال ماتستورده من أعمال درامية. قد يرى البعض أن لا غضاضة في رؤية الأعمال الفنية المتميزة في الإنتاج والتمثيل والإخراج والمؤثرات البصرية والسمعية كحال فيلم "أبديون".. فهي في النهاية قصص خيالية ولن تعمل على زعزعة الإيمان في قلوبهم بوحدانية الخالق. لن أجادل في ذلك، لكني أظن أنّ من يرضى بأن تُمسّ الذات الإلهية تحت غطاء الإبداع والخيال.. سينظر غدًا للمنكر ويقول: عادي!أتمنى كذلك على الآباء والأمهات فتح حوارات ثقافية ممتعة مع أبنائهم وأن يغرسوا فيهم مبادئ الدين الحنيف وأسس التوحيدبشكل عصري وقريب من فهمهم، وعدم السماح لهم بالانجراف وراء الدعوات المكثّفة لقبول الشرك ولقبول العلاقات الشاذة تحت شعار:احترام حقوق الإنسان، والحرية الشخصية.

هذا الموضوع من مدونات القراء
ترحب "البلاد" بمساهماتكم البناءة، بما في ذلك المقالات والتقارير وغيرها من المواد الصحفية للمشاركة تواصل معنا على: [email protected]
صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .