العدد 5673
الجمعة 26 أبريل 2024
banner
صادق أحمد السماهيجي
صادق أحمد السماهيجي
التغيير والتحول الإداري .. في سؤال أين نضع الكأس؟ ومن هزّ الجرّة ؟!
الثلاثاء 19 أكتوبر 2021

أيّ عملية تغيير، في جانب من جوانب هذه الحياة، من الطبيعي، أن تُحدث علامة فارقة وشيئاً مميزاً، ربما سلباً، ربما إيجاباً، فتغيير الكأس من مكانه إلى مكان آخر ينتج عن فراغ في مكانه الأصلي، ويحدُث أن يتهشم وينكسر، أو يفرّغ محتواه فيما هو مفيد وما ليس مفيداً، أو يتدفق بشكل لا تحمد عقباه، والاحتمالات كثيرة وواردة، كل هذا طبعاً، ليس بعيداً عن سؤال من حرّك الكأس ؟ وسؤال من ألقى الحجرة في وسط البحر ؟! وسؤال من هزّ الجرّة ؟!

وعلى سبيل المثال، نجد الكثير من التغييرات بين دورة وأخرى من الدورات الانتخابية، وفي غضون بضعة سنوات، في الإدارات ومجالس الإدارات التي عادة ما تنتخب أعضائها كل سنتين أو أربع سنوات أو حسب النظام المعمول به، وأحياناً يكون الحال أقرب لما هو عليه في دورات وهياكل إدارية كثيرة.   

فحريٌّ بهذا التغيير، أن يقلب الموازين إلى حيث ترتفع أسهم بعض الأشخاص وتسقط أسهم البعض الآخر في العلاقة والسلم الإداري، أحياناً بدعوى الكفاءة والتراتبية، وأحياناً بدعوى المحاصصة والمراضاة، وأحياناً قليلة بصدق النوايا ولو بعد حين. 

ما نؤكد عليه، أن المؤسسات مجال خصب للتغيير الإداري، بل من سننها، بصرف النظر عما إذا كانت رسمية، أو تطوعية أو خاصة، فالمؤسسات قد تخضع لمعايير خارجية بعيداً عن المحيط الداخلي للمؤسسة، وقد ترتهن بالأداء الوظيفي، وربما لأهواءٍ شخصية، وقد تحتكم لطاريء كبير، كلها أسباب تساهم في عملية التغيير الإداري. 

إن الاحتكام لقرارات تقديرية، وأحياناً تحشيد جماهيري سلبي ومؤثر في سلطة القرار، يجعل الموظف "العضو الإداري" في قلق دائم مهما كانت نسبة رضاه عن أداء واجباته وإبداعاته، بل حتى رضا المسؤولين عنه بشكل إيجابي، سيكون هذا الإداري أو "القائد الإداري" رهن الإشارة لتلقي الصفعة كلما استدعت الحاجة للمسؤول الأعلى منه في الاستغناء عنه. 

هذا التهديد الذي يطال الجميع، وهذه الأزمة التي تشمل مجاميع كثيرة من المنتمين للمؤسسة والمستفيدين منها ومن لهم علاقة بجمعيتها العمومية وبنظامها الأساسي، تتكشف قوتها من خلال "فريق عمل، وقوانين، ونهج" يؤسس على ثقافة الولاء التي من الأوْلى والأجدر، أن قام ببذرها وزرعها الأوائل ومن تعاقبوا من بعدهم من إدارات، هذا النهج، بالضرورة، إذا ما تم تطبيقه سيعطي دليلاً على الاستمرارية والنجاح مهما كانت العاصفة شديدة والريح عاتية. 

وبالرجوع إلى "الكأس" في المثال الذي سقناه وأوردناه في مستهل المقال، فإن أشكال التغيير والتحول الإداري لا تخلو من غياب أو تقليل من درجة الديمقراطية، فيما تتضح وبشكل ملحوظ أعلى درجات الدكتاتورية "معنا معنا .. عليكم عليكم" حيث لا حلول وسط ولا خطوط اعتدال، وطرق العودة قد تكون معدومة ومكلفة، فالحالة أشبه بالبركان والثورة في داخل المنشأة، جرّاء الطاريء الملح الذي حل على المنشأة، وهو أسلوب مباح للقائد الإداري وصاحب القرار مع أخذ الاعتبار ألا يدوم طويلاً تقليلاً لنسبة الأضرار المادية والمعنوية.  

وما بين كل هذه الخلافات والنعرات المصاحبة لعملية التغيير والتحول، والغوص في عمقها، ينصح الإداريون - كما أننا نرى في ذلك الكثير من النجاعة والنتائج الملموسة والواقعية - بالتركيز على عدم محاربة أي أحد صغيراً أو كبيراً، إن الرغبة في أن نكون أشخاص أقوياء، تكمن في اعتقادي، بمدى التزامنا مع أنفسنا في عدم الانجرار إلى اتخاذ طرق ملتوية تثير الضجة في من حولنا، وتؤجج الصراعات وتدعو إلى الخلافات  الداخلية والمجتمعية، خصوصاً في ما يتعلق بـ "الإدارة التطوعية" فبدلاً من أن نبني، نهدم بدورنا البنيان الذي شيدناه والذي دام طويلاً "وهذه كارثة كبيرة لو تأملنا". 

ونرى، أنه حتى لا يخسر الإنسان نفسه، عليه أن يعمل بجد ويتحلى بالصبر، فمهما بلغنا من الذكاء والدهاء الإداري الذي نعتقد أنه سيوصلنا إلى أهدافنا بشكل سريع ودون عناء تعب، سنصير يوماً ما من متذيلي السلم الإداري بمحض إرادة ما صنعناه في أنفسنا، وهذا معروفٌ بداهةً، "ما يأتي سريعاً يذهب سريعاً"، فما أجمل من أن تكون محبوباً متواضعاً، وما أسوأ من أن تكون سلطوياً متعالياً ومراوغاً. 

فعملية التغيير الإداري، وحتى نكون أكثر دقة وعلمية، "تبدأ بوجود رؤية واضحة يتم شرحها بالتفصيل لفريق العمل، والاتفاق على عملية تقييم شاملة، ثم خارطة طريق دقيقة وواضحة، ثم الخطة العملية للتنفيذ، وأخيراً بناء ودعم الكوادر البشرية المؤهلة" من كتاب القادة الجدد للكاتب والمستشار الإداري ثامر شاكر ص 50. 

قبل الختام، وعندما قلنا بأن هناك مؤثرات خارجية، فمن الجدير بنا التذكير بسؤال "من هزّ الجرة ؟" فالحكاية باختصار، كانت هناك مجموعة من النمل الأسود ومجموعة من النمل الأحمر داخل جرة واحدة يعيشون في سلام لفترة طويلة، وفجأة ومن غير سابق إنذار صاروا يتصارعون ويتقاتلون" وكل ذلك كان بفعل هزة للجرة، لذا من الجيد قبل أن تحتدم الخلافات فيما بيننا أن نتساءل ونعرف من هم أصحاب (الهز) حتى لا يجرونا إلى متاهاتهم ومآربهم، ولا يميّعونا إلى أفكارهم وأهدافهم، فطالما أرادوا بالنمل السوء، فالعاقبة لا محالة سوء.      

وحتى نصل لدعم الكوادر البشرية المؤهلة، لحمل هذا التغيير الجديد، علينا أن نعرف كيف نتعامل مع "الكأس" وأين نضعه وفي أية صورة؛ كي لا ينكسر أو يفرّغ محتواه أو يفرُغ من محتواه أو يفيض منه الماء الزائد عن الحاجة، علينا أن نقنن كل ما نتوقع من هذه الاحتمالات. 

هذا الموضوع من مدونات القراء
ترحب "البلاد" بمساهماتكم البناءة، بما في ذلك المقالات والتقارير وغيرها من المواد الصحفية للمشاركة تواصل معنا على: [email protected]
صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .