+A
A-

الفنان محمد الصفار: ما قبل السكلر ألم وما بعده إنجاز

محمد الصفار فنان بحريني من مواليد 1973، خريج كلية الهندسة بجامعة البحرين ويعمل مهندسًا في وزارة الإسكان. له العديد من الأعمال المسرحية والتلفزيونية والمشاركات الخارجية، لامس بلطف قلوب المشاهدين كمن يمسك نايًا ويجيد العزف على أوتار القلوب فيكون تارةً سعادة وتارة دمعة، وفي كثير من الأحيان فردًا يستحضر في قلوب المشاهدين ذواتهم فيكونون هو ويكون هم.

محارب سكلر شرس، قال للسكلر في إحدى مناوراته “قسوتَ عليّ بالألم... سأقسو عليك بالحُلم”.

الطفولة

يقول الصفار: اطلعتني والدتي مبكرًا على مرضي، إلى أن أصبحت أجيد التعامل معه إلا أنني كنت أفشل أحيانًا.

ويستحضر الصفار أول نوبة سكلر واجهها في طفولته “أشعرتني أولا أنني سأكون مختلفًا عن بقية الأطفال، عندما كنت في المدرسة مع بقية الطلاب نتسلق الحبل المخصص لتقوية العضلات الجسمانية، إذ تمكنت من الصعود سريعًا وعندما أردت النزول قفزت، إلا أن القفزة تلك تركتني طريح الفراش لمدة أسبوعين لا أفعل شيئا غير تأمل السقف والنظر من النافذة وتحمل الألم”.

يتابع قائلًا “كان أثر السكلر كبيرا مرحلة الطفولة، لم أكن كبقية أقراني، فبدلًا من اللعب معهم لعبة كرة القدم المحببة، أصبحت أجمع الكرات فقط، ليس لجهلي بطريقة اللعب، بل لعدم كفاءة جسدي، إذ كان الجري يأخذني لنوبة جديدة كل مرة”.

الأحلام.. طريق معبد بالآلام

الطرق المعبدة بالآلام مهيأة لأكثر الأحلام البشرية علوّا وتميزًا ونجاحًا... النجاحات التي تقف منتظرة دورها على قائمة التميز تنبع من مواجهة ما في مكان ما.

يقول الصفار واصفًا نفسه “أنا مهندس أو ممثل لا فرق، لأن مشوار الحياة بدأ بهما معًا وكلاهما سيفضي إلى سعادة ما للآخرين، مع أني كنت أحلم أن أكون طبيبًا إلا أن هذا الحلم لم يتحقق لاعتبارات كثيرة، أهمها أنني لم أشأ إيلام أمي بالابتعاد عن أرض الوطن والثاني هو الرفيق الدائم وهو مرض السكلر”.

ويضيف “على الرغم من صرامة المجال الهندسي وحدته ووضوح زواياه واختلاف المسار الفني عنه، الفن عالم غامض من المنحنيات المتداخلة وغير الواضحة، إلا أنهما كانا خليطًا رائعًا كوني على ما أنا عليه”.

النوبة إعصار يضرب الساحل ويمر.. مخلفًا حطامًا كبيرًا

يعرف الصفار نوبة السكلر أنها فريدة من نوعها قاسية جدًا في وقتها، فهي كالإعصار الشديد الذي يضرب الساحل لكنها وبعد أيام ترحل وكأن شيئًا لم يكن. وتصبح جزءًا من الذكريات أو من الأحداث التي يتحدث عنها المريض كأنها مرّت بشخص آخر يعرفه وانفصل عنه بعيدًا، لكنها وبعد أن تزول ترحل بعد أن تحطم أشياء عدة في ذات المريض، فهي تحطم عزة الشخص وكبرياءه تحطم فيه مظهره الذي يظهر به أمام الآخرين كما تحطم فيه كلماته التي يحبها ويعتز بها.

يأخذ السكلر كل ذلك ويرميه ببساطة في مكان آخر، لكنه أيضًا يُعلم الساحل (المريض) كيف يكون جديرًا بالحياة مع أول صوت لعصفور يمر في ظهيرة يومِ ما.

يقول الصفار: إن السكلر لا يسمح لك بالتألم بشكل مثالي، يجبرك على الصراخ والتأوه والنطق بكل حروف الألم وعباراته. هو معلم قاسي، أحاول أن لا أقترب منه وأحاول أن أهتم بصحتي وأراقب كل شيء أقوم به لأضمن بقاءه بعيدًا عني لكنه يأتي مباغتًا، السكلر لا يعني فقط نقصًا في الماء أو تقصيرًا في الغذاء، السكلر يأتي بعد صدمة عاطفية بعد قلق أو قهر أو ألم نفسي.

مواجهة الخوف.. مواجهة حقيقية للألم

إن العيش في دائرة الخوف أشبه بالحياة في منطقة داكنة من قعر الكون، الخوف يجعل يدك مهزوزة وعقلك مشلولا وطموحاتك مؤجلة، الخوف يحاصرك دائما في أكثر المناطق ألمًا بالنسبة لك وهي منطقة البقاء، وحتى يتخلص الصفار من تلك المخاوف قال: إذا تخلصت من الخوف سأستطيع إكمال طريقي وقد عملني السكلر كيفية التشبث بالحياة، فقد أسر لي في أذني يومًا بكلمة استقرت في وجداني قال لي: قاتل! حتى أصبح الأمر في داخلي أشبه بالنزال مع مقاتل شجاع يطلب مني أن أقاومه بشرف وعدالة.

في هذه الحالة يكون التخلي عن الشجاعة استسلامًا صريحًا للموت والمقاومة هي الطريق الصحيح لاستمرار البقاء وإضفاء نفس جديد للحياة.

يقول الصفار “هناك عمل دائم ينتظرني هندسة بيوت وطرق وأماكن يلعب فيها الأطفال ويبنون فيها ذكرياتهم وأحلامهم، كما أنني لا أريد أن يفتقدني أحد مع أني أدرك أن ذلك سيحدث يومًا”.

أكره عبارة على الرغم من السكلر

المحارب محمد الصفار يكره دائمًا وأبدًا عبارة (على الرغم من أنه مريض سكلر، إلا أنه...)، ويعتبر أن المرض غير مهم أبدًا، المهم لدى محمد هو ما يمكن تقديمه للحياة بأبهى صورة. لدى محمد آمال ومشاريع وخطط يواجه فيها السكلر قائلًا له “قسوت عليّ بالألم.. سأقسو عليك بالحلم.. السكلر استثمار للحلم وطريق لتحقيقه”.

مريض السكلر الفنان محمد الصفار عبارة عن تجربة تصارع قسوة الأرض من أجل إيجاد صورة جميلة ومؤثرة، وكما يقول محمد أنه في مرحلة عبور، ما قبل السكلر ألم وما بعد السكلر إنجاز.

 

كتبت: هناء مرهون

جمعية البحرين لرعاية مرضى السكلر