+A
A-

خفض تعويض المصابين بحوادث مرورية إذا كانوا سببا بها

أرست محكمة التمييز مبدأين جديدين يتناولان موضوعا يهم شريحة واسعة، وبخاصة من يرتبط بالحوادث المرورية، سواء قادة السيارات أو المصابين المشاة من الحوادث أو شركات التأمين. المبدأ الأول: خفض تعويض المصاب من الحادث إذا أخطأ بتصرف معين بما يؤدي لوقوع الحادث المروري.

المبدأ الثاني ويهم شركات التأمين بشكل أكبر: اعتبار الأمر الجنائي الصادر من القاضي المختص بمعاقبة المتهم بمثابة حكم بات حائز لقوة الأمر المقضي ويتمتع بحجية مطلقة.

وتنشر “البلاد” أبرز حيثيات حكم محكمة التمييز (الدائرة الأولى التجارية) الصادر بتاريخ 20 يناير 2020. وهو حكم غير منشور سابقا.

طرفا القضية شركة تأمين (الطاعنة)، وامرأة أصيبت بحادث مروري (المطعون ضدها).

قصة القضية

كانت تسير المرأة بالشارع فاصطدمت بها سيارة، أدى لإصابتها بعجز جسدي بنسبة 12 %.

أدان قاضي المحكمة الصغرى الجنائية قائد السيارة، وقرر تعويض المصابة بمبلغ 15 ألف دينار، ويتحمل الغرامة قائد السيارة وشركة التأمين.

طعنت المصابة الحكم لدى محكمة الاستئناف العليا المدنية، وقررت الأخيرة خفض مبلغ التعويض إلى 7200 دينار.

لم تقبل شركة التأمين بالحكم، فلجأت لمحكمة التمييز، والتي قررت نقض الحكم جزئيا، حيث قررت خفض مبلغ التعويض إلى 3600 دينار.

وبررت محكمة القانون قرارها لأن المصابة (المطعون ضدها) أخطأت بعبورها الطريق من غير المكان المخصص لعبور المشاة مما أدى إلى وقوع الحادث بخطئها الذي استغرق خطأ سائق السيارة.

وقالت المحكمة: المطعون ضدها كانت تعبر الطريق من غير المكان المخصص لعبور المشاة عندما صدمتها السيارة مما يعد خطأ منها أسهم مع خطأ سائق السيارة في إحداث الضرر، وترى المحكمة أن الخطأين متكافئان، فلا تلزم الطاعنة بتعويض المطعون ضدها إلا بمقدار نصف المبلغ الذي قدره الحكم المطعون فيه منه لجبر ما لحقها من أضرار نتيجة الحادث.

حيثيات الحكم

وحيث إن الطعن بني على سببين تنعى الطاعنة بهما على الحكم المطعون فيه مخالفة الثابت بالأوراق والقصور في التسبيب. حاصل النعي بالسبب الأول أن هذا الحكم أسس قضاءه بتعويض المطعون ضدها على صدور أمر جنائي بإدانة المدعى عليه الأول سائق السيارة المؤمن لديها عن المسؤولية المدنية الناشئة عن حوادثها لتسببه في وقوع الحادث بعدم اتخاذه الحيطة والحذر في قيادتها، خلافا للثابت بملف الأمر الجنائي المرفق الذي قامت محكمة الدرجة الأولى بفحصه واستخلصت منه أن المطعون ضدها هي التي أخطأت بعبورها الطريق من غير المكان المخصص لعبور المشاة مما أدى إلى وقوع الحادث بخطئها الذي استغرق خطأ سائق السيارة على فرض وقوعه، وبالتالي عدم توافر ركن الخطأ في جانبه مما يستتبع عدم مسؤوليتها خلافا لما ذهب إليه الحكم وقضى به مما يعيبه ويستوجب نقضه.

وحيث إن هذا النعي غير سديد. ذلك أنه لما كان ثبوت العمل الخاطئ ونسبته إلى فاعله ووجود علاقة السببية بينه وبين الضرر المستوجب للتعويض من مسائل الواقع التي تستقل محكمة الموضوع باستخلاصها دون تعقيب عليها متى كان استخلاصها سائغا.

وكان وصف العمل وتكييفه واعتباره خطأ يستوجب التعويض من مسائل القانون التي تخضع لرقابة محكمة التمييز.

وكان من المقرر وفقا لنص المادة 309 من قانون الإجراءات الجنائية والمادة 100 من قانون الإثبات أن يكون للحكم الجنائي البات الصادر بالإدانة أو البراءة حجية فيما يتعلق بوقوع الجريمة ووصفها القانوني، ونسبتها إلى فاعلها يرتبط بها القاضي المدني في الوقائع التي فصل فيها هذا الحكم، وكان فصله فيها ضروريا.

وكان الأمر الجنائي الصادر من القاضي المختص بمعاقبة المتهم إذا أصبح نهائيا واجب التنفيذ بعدم الاعتراض عليه، فإنه يعتبر بمثابة حكم بات حائز لقوة الأمر المقضي من حيث الآثار المترتبة عليه تنقضي به الدعوى الجنائية ويتمتع بحجية مطلقة قبل الكافة تتعلق بالنظام العام.

ولئن كان البين من الحكم المطعون فيه أنه خلافا لما ورد بسبب الطعن لم يستند في قضائه إلى حجية الأمر الجنائي بإدانة سائق السيارة، بل استند إلى ما استخلصه من الأوراق بثبوت خطئه بقيادة السيارة دون حيطة وانتباه مما أدى إلى وقوع الحادث وتسببه في إصابة المطعون ضدها بإصابات جسدية بما نتج عنها من أضرار تلتزم الطاعنة بتعويضها بموجب مسؤوليتها التأمينية.

وكان هذا الذي خلص إليه الحكم استخلاصا سائغا لم يتجاوز به سلطة محكمة الموضوع في تحصيل الواقع وتقدير الأدلة، فإن النعي عليه بالسبب الأول من أسباب الطعن يكون قائما على غير أساس.

وحيث إن الطاعنة تنعى على الحكم بالسبب الثاني إغفاله ما تمسكت به بشأن مساهمة المطعون ضدها فيما أصابها والأضرار التي لحقتها بخطئها في عبور الطريق من غير المكان المخصص لعبور المشاة مما كان يستوجب مراعاته في تقدير التعويض المقضي به.

وحيث إن هذا النعي في محله، ذلك أنه لما كان من المقرر بنص المادة 166 من القانون المدني أنه إذا أسهم خطأ الشخص مع خطأ المضرور في إحداث الضرر، فإنه يكون غير ملزمٍ بالتعويض إلا بقدر ما يتناسب مع ما كان لخطئه من أثر في وقوع الضرر بالنسبة إلى خطأ المضرور نفسه. وكانت الطاعنة في دفاعها بمحكمة الموضوع قد تمسكت بمساهمة المطعون ضدها بخطئها في وقوع إصابتها، وما لحقها من أضرار، وإذ التفت الحكم المطعون فيه عن هذا الدفاع الجوهري ولم يراعه في تقدير التعويض المقضي به، فإنه يكون معيبا بقصورٍ في التسبيب يبطله ويوجب نقضه في هذه الجزئية.

وحيث إنه لما كان الثابت بالأوراق أن المطعون ضدها كانت تعبر الطريق من غير المكان المخصص لعبور المشاة عندما صدمتها السيارة مما يعد خطأ منها اسهم مع خطأ سائق السيارة في إحداث الضرر. ترى المحكمة أن الخطأين متكافئان، فلا تلزم الطاعنة بتعويض المطعون ضدها إلا بمقدار نصف المبلغ الذي قدره الحكم المطعون فيه منه لجبر ما لحقها من أضرار نتيجة الحادث.