+A
A-

سحر المقابر... المشعوذون يبيعون الموت بثياب ملائكة

الصفقات وصلت إلى 10 آلاف دينار

مشعوذون يستخدمون أدوية نفسية وصعقات كهرباء

تجار يوفّرون أدوات السحر من الخارج

مخ إنسان.. منقار هدهد.. وذيل ذئب.. أبرز أدوات السحر

رصد أجنبيات على قبر بشمعة وأظافر وشعر فتاة

العالي: رصدنا حالات كثيرة والسحر متفشٍّ

الجودر: رصدنا حالات.. والمشعوذون يستهدفون الجهلة

أخت تسحر أختها لحالتها المادية الممتازة

“لم أتصور نفسي أتعرّى أمامه”

فضل: أكثر الضحايا مرضى نفسيون

 

على جنبات الهوامش والوقائع التي تابعتها “البلاد” عن كثب في مسرح الحدث بمقبرة الحورة يقع قبر قديم مندثر يعود عمره لأكثر من 80 سنة، يقوم عمال المقبرة بعمليات الحفر في محيطه لإنشاء قبر جديد، فانهار القبر، وإذا بجميع من حضروا المشهد يتفاجأون باكتشاف جرة قديمة كانت موضوعه بأعماق القبر المندثر، ويوجد بداخلها “طلسم” وهو عبارة عن قصاصات ملفوفة في بعضها البعض بها كتابات مطلسمة غير مفهومة.

بهذا الفضول فتح الباب على مصراعيه أمام “البلاد” لاستقصاء ما آلت إليه الأمور في مجتمعنا بمواجهة قضايا الشعوذة والسحر التي أصبحت متفشية. هذا ما تؤكده الوقائع والمشاهد والروايات المثبتة من أصحابها والمختصين والمطلعين على هذا المجال والخصوص.

وقريبًا من المشهد آنف الذكر استنطقنا القائم بأعمال وشؤون مقبرة الحورة الشيخ عبدعلي البحراني الذي بدوره أضاء إضاءات واسعة لما عاينه بأم عينه على الأعمال الموصوفة بالسحر والشعوذة.

وعلى هذا الصعيد قال: وجدت العديد من الجرات التي توجد بها أعمال سحر في عدة قبور طوال عملي في المقبرة، ولا أعلم لماذا يتم وضع السحر في جرة، لكن جميع هذه الجرات نجدها في القبور القديمة أو المندثرة”.

فتيات المقبرة

وتابع: ومن الأمور الغريبة التي رصدتها في المقبرة في إحدى المرات رأيت عدة أجنبيات واقفات على أحد القبور وكان الوقت في الصباح الباكر، أمعنت النظر من بعيد ووجدت أحداهن تمزق ورقة على القبر ووضعت أشياء غريبة وبعد التفحص من قريب وجدت أنها وضعت أظافر وشعر وشمعة وصورة فتاة ممزقة على القبر”.

وفيما يخص الحزمات الملفوفة على بعضها البعض يقول الشيخ عبدعلي: وجدنا الكثير منها في المقبرة ومازلنا نجد بين الحين والآخر وأكثرها نجدها مدفونة بين القبور أو داخل القبور، مشيرًا إلى أنهم لا يقومون بالبحث عن هذه الأمور إلا أنه من كثرتها نجدها باستمرار وفي مواضع مختلفة”.

انطلقنا في جدولة داخل المقبرة مع القيم الشيخ عبدعلي وكنا نتبادل الحديث، حيث أشار إلى أن السحرة يقصدون القبور القديمة في المقابر والشجر، وصادف بأننا قريبون من إحدى الشجرات، تفحصناها معه ووجدنا في شق بجذعها حزمة ملفوفة موجود بداخلها طلسم سحري.

وقال: “أرى الكثير من الأمور الغريبة أيضًا في المغتسل (وهو المكان الذي يقوم المختصون فيه بتغسيل أجساد الموتى)، إذ أشاهد باستمرار تكسير بيض وعلى قشر البيض حروف وطلاسم وبقع مياه متناثرة في الإرجاء مما حدا بنا إقفال المغتسل بإحكام لكي لا يتعرض لمثل هذه الأعمال”.

تفشي السحر

ذلك ما رواه قائم مقام المقبرة وما وقفت عليه “البلاد” من مشاهدات عينية، فيا ترى ماذا يقول أصحاب الرأي ممن مرت عليهم التجارب المماثلة. ذلك يوضحه لنا الشيخ بشار العالي في حكاياته المأخوذة من تجارب واقعية وحية.

وفي تعريفه قال من واقع تجاربه وأبحاثه أن المشعوذين يصنفون السحر إلى صنفين، سحر سفلي وسحر أبيض، السحر السفلي هو ما يتعارف عليه السحر الأسود وما يدخل في مضامينه ويستخدم في العادة في الشر، والسحر الأبيض هو ما يتعارفون عليه (المشعوذون) كالأدعية والأوراد، هذه فيها أسماء الله وأدعية واردة باستخدام أسماء الله الحسنى، وهذه لها تأثير لمقاصد الخير وهي أدعية وأوردة واردة عن النبي وأهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين. الشارع المقدس للعلماء وأصحاب الفضيلة لا ينظرون إليه بأنه سحر بل ينظرون إليه كونه علاجات”.

وبين أن السحر الأسود حرام شرعًا، وهذا غالبًا يقصدون به الضرر والجلبة، وهذه الأعمال تنجح بدرجة ما في بعض الأحيان، وتستخدم في الغالب للتفريق بين زوج وزوجته، أو لإيقاع الضرر في روح إنسان آخر بشتى أعمال السحر.

ورأى العالي أن الحقد والحسد هو الدافع الأكبر لأعمال السحر، وقد أطلعني كثيرون ممن وقعوا في هذه المعضلات بأمورهم حيث وجدت أن أكثر الحالات دافعها الحقد والحسد، وفي واحدة من الحالات التي أطلعت على ظروف ملابساتها أن أخت عملت سحرا لأختها؛ لأنها في نعمه وهي في حاله رثة ماديًا.

وأكد أن أعمال السحر والشعوذة متفشية بين مختلف طبقات المجتمع على اختلاف علومهم وثقافاتهم، وأعداد المشعوذين كبيرة وهناك أموال طائلة تصرف في هذا المجال. ونوه إلى أن للمشعوذين مناطق معينة يضعون فيها أعمالهم، كالمقابر وتحديدًا القبور القديمة، والبحور والبراري وعتبة المنازل، ولهذه الأعمال زبائن كثيرة وثمة من يتعنى لإجراء هذه الأعمال في خارج البحرين كعمان وإيران والمغرب والعراق وكينيا ويدفعون أموالا طائلة نظير ذلك، وقد رصدنا أعمالا كهذه بشكل كبير جدًا، مشيرًا إلى أن أعمال السحر منتشرة في البحرين ككل وليس في منطقة دون أخرى، محذرًا من تفشي هذه الظواهر وضرورة التصدي إليها.

قدرة السحرة

وفي رده عن سؤال لنا حول القدرة التي يتمتع بها السحرة أجاب الشيخ العالي: بعض العاملين على السحر لديهم لياقة وقدرة بأن يعملوا هذه الأعمال، ولكن كثير منهم نصابون يستغلون سذاجة الناس وأوضاعهم وضعف إيمانهم وعقيدتهم، وقلة ثقافتهم. وأوضح أن قسما كبيرا ممن يدعون بأنهم يقومون ب “فك السحر” يدعون بأنهم درسوا ذلك، ولكن الواقع يخالف ذلك لأنهم تعلموا السحر من الإنترنت وبعض كتب السحر المتوفرة على الشبكة العنكبوتية الانترنت، منوهًا إلى أن هذا المجال خطير جدًا ومن يدخل فيه يتضرر إذ إن السحر هو التعامل مع الجن. وقال: يقوم هؤلاء المشعوذون أيضًا بعمليات تنبؤ وتنجيم للمستقبل ولكن الواقع يقول إن 80 % من تنبؤاتهم غير واقعية ولا تصدق، وشرعًا يحرم الإخبار بالمغيبات”.

سوق السحر

وأفاد أن هنالك سوقا لبيع أدوات السحر في البحرين وهنالك ممولون داخلون لتوفير أدوات السحر، وهذه الأدوات كثيرة مثلا توفير بعض أجزاء من الحيوانات كرأس قرد أو ذيل ذئب، أو حيوانات مجففة أو محنطة، رؤوس عصافير ومنقار هدهد، مخ إنسان، وأجزاء معينة من جسم الذئب والثعلب وهذه يأتون بها من الدول المجاورة والسحر وقوته وتفاصيله يقوم على هذه الأدوات وأدوات أخرى موجودة لدى العطارين ووصلت بعض الصفقات إلى 10 آلاف دينار كعمل متكامل فيه العمل السحري وأدوات السحر المستخدمة، وأكرر فتاوى مراجعنا بأنه لا يجوز التعامل مع السحر والسحرة والمشعوذين ومن في حكمهم.

كتب السحر

يلتقط خيط الحديث سيد مهدي الذي له باع واسع واطلاع على واقع عالم السحرة والمشعوذين بسبب سعة اطلاعه، هو يقول “إن السحر موجود ومنتشر في البحرين بشكل عام بين الشيعة والسنة والمسيحيين والهندوس”.

وبيّن أن هناك طلبا كبيرا على كتب السحر والشعوذة وقد أبلغني كثيرون أنهم حصلوا على الكتب مطبوعة بأوراق (A4) من قبل مكتبات معينة في البحرين، مشيرًا إلى أنه كان حاضرا في أحد المكاتب ذات مرة وكانت هنالك امرأة كانت تسأل عن كتاب التابوت الأزرق وهو كتاب عن السحر، وسألت صاحب المكتبة هل هنالك طلب على كتب السحر فقال كثير جدًا لكننا لا نتعامل فيه.

“البلاد” تقصّت الأمر مع صاحب إحدى أشهر المكاتب فضل عدم ذكر اسمه فأكد أن هنالك طلبا على مثل هذه الكتب إلا أن هذه الكتب مجرمة قانونيًا من التداول والبيع والشراء، ونحن بدورنا لا نقوم بتوفيرها لسببين الأول ديني وأخلاقي والثاني قانوني.

وبين أن هذه الكتب وللأسف منتشرة عبر الإنترنت وهنالك الكثيرون من الزبائن يقولون إنهم حصلوا عليها من مواقع معينة على تعرضها على صيغة (PDF)، جاهزة للطبع.

رصد الحالات

وإذا كان ممن سبقه في الحديث قد كشف الغطاء عن ما يمور في هذه السوق وذلك الابتلاء فإن الشيخ صلاح الجودر قد وضع النقاط على الحروف حينما اعترف بصوت مسموع بأنه من واقع نشاطه الاجتماعي والتوعوي وصله العديد من التبليغات وبشكل مستمر، مشيرًا إلى أن هذه الظاهرة موجودة ولا يمكن أن ننكرها وأنها لا تقتصر على الأميين بل تشمل حتى المتعلمين.

وبين أن المشعوذين يستهدفون البسطاء من الناس والجهلة وذوي الوعي الهابط، ويقوم السحر في أغلبه على روح العداوة والانتقام والتفريق بين الزوجين وكل هذه الأمور محرمة دينيًا.

وقال: نحن نريد وعيا مجتمعيا حول هذه الظاهرة، يجب على الإنسان أن يسلم أمره إلى الله سبحانه وتعالى ويرضى بما قسمه الله له في كافة الأمور والمشارب”.

وتابع: قبل عدة أيام أبلغت أن هنالك امرأة تقوم بأعمال السحر وتم الإبلاغ عليها، والغريب في الموضوع أن هذه المرأة كانت تقول لإحدى زبائنها إذا أردتم مفعولا أكبر للسحر فيجب عليكم أن تدفعوا مبالغ أكبر وبشكل كامل وليس بالتقسيط.

تشريح الظاهرة

استشاري الطب النفسي الدكتور حسن فضل في تشخيصه وتقييمه لأسباب للظاهرة أدلى بدلوه وقال: من ضمن الأسباب التي تدفع بالمرضى إلى اللجوء للسحرة والدجالين أو من في مقامهم في رأيي سببان. الأول: هو طبيعة المرض الذي يعاني منه الشخص، فقد يكون المرض عضالا يصعب تشخيصه وعلاجه من ناحية أو من ناحية أخرى تكون أعراض المرض غريبة بعض الشيء، مثلا بعض الأمراض النفسية تظهر بأعراض سماع أصوات وكلام مجهولة المصدر وأحيانًا رؤية تخيلات لهيئات غريبة، مما يصعب تفسيرها منطقيًا للشخص العادي بدون خلفية طبية، فيظنون أنه سحر أو جان تم تسليطهم عليه”، مشيرًا إلى أن بعض نوبات الصرع أيضًا يتم تفسيرها بهذه الطريقة خصوصًا المصاحبة لإصدار أصوات أو عمل تصرفات غريبة سواء أثناء النوبة أو بعدها”.

وتابع: “أما السبب الثاني: فهو دهاء هؤلاء الدجالين والسحرة والعياذ بالله، إذ يروّجون لأنفسهم بشتى الطرق، فتارة يتسترون بتقديم أنفسهم على أنهم رجال دين وأنهم يتعاملون بالسحر للعلاج أي لفك السحر فقط، وتارة أخرى يدفعون المال للآخرين للشهادة بالكرامات والقدرة على حل مشاكل الناس، مما يعطي جوا من الإيحاء يجعل الضحايا متقبلين لتصديق كل ما يقولون”.

التعري والتحسس

في حديثه يسوق الدكتور فضل وقائع من واقع تجاربه الشخصية والمهنية في البحرين والدول المجاورة فقال: “هنالك دجال أرهق إحدى النساء بالطلبات على أمل تحسن مرضها وحظها فما كان من أخوانها إلا التدخل في إحدى المرات وأكل الطعام الذي أمرها الدجال بوضعه في بيت مهجور لكي يرضى عنها الجان، فإذا بها تفرح بذلك وتعلن شفاءها بعد موقف إخوانها”.

وتابع: “وثمة حالة أخرى وهي دجال يصوّر لضحاياه بأنه مبارك ويقوم (بتحسس المناطق الحساسة للنساء) لكي يحصلوا على البركة والشفاء والحظ”، مستغربًا كيف يحدث ذلك بين مجتمع مسلم محافظ؟!

وأضاف: “وكذلك هنالك قضية لامرأة دجالة لا تختلف عن من سبقنا وسردنا قصصهم، وتدعي أنها تعالج جميع الأمراض والأسقام بقدراتها وبركتها، وقد لعقت عين أحد المرضى بلسانها وتسببت له بعمى دائم بعد دخول جرثومة خطيرة إليها”.

صدمات وأدوية

الدكتور فضل أشار إلى أن أدهى من مر عليه طوال سيرته العملية هو موقف أحد الدجالين الذي كان يدعي أنه يعالج المتلبسين بالجن، حيث كان يتلو بعض الآيات القرآنية ليبدو بمظهر رجل دين أو معالج بالقرآن.

وفي سرده للحادثة قال: “كان هذا الرجل يكمن السر في الوصفات والأعمال والمشروبات التي يعطيها لضحاياه بحجة أنها مستخلصه من أعشاب ومياه مقروء عليها آيات من الذكر الحكيم، ولكنها في الواقع مضاف إليها الأدوية والعقاقير النفسية المهدئة، واكتشفوا أيضًا بعد إيقافه وجود جهاز من صنع محلي لإعطاء صدمات كهربائية مخففة لرأس ضحاياه، أتوقع أنه استعملها لإقناع عوائل ضحاياه بأنه استحضر الجن عن إعطاء الصدمة وبعد تحسنهم بعد أيام يرجع الفضل في ذلك إلى نفسه بالتحكم بالجن وإخراجه من أرواحهم وأجسامهم”.

وتابع “باختصار هو يستغل الناس وعدم اقتناعهم بأنهم مصابون بأمراض نفسية أو صرع ويعطيهم العلاجات الدوائية من دون أي معرفة بمدى خطورة تعاطي وتناول هذه الأدوية من دون استشارة الخبراء من الأطباء المتخصصين في هذا المجال”.

وأكد: على حد علمي أن جميع هؤلاء تم إيقافهم عند حدهم منذ فترة، ولكن هناك من يمارس ذات الطقوس، بل يبتكرون طرقا لخداع الناس من أجل الاستيلاء على أموالهم”.

ونوه: “استلم هؤلاء المشعوذون والدجالون كثيرا من الأموال من ضحاياهم، وفي كثير من الأحيان بل أغلبها يعلم الضحايا بعد حين أنهم وقعوا في شبه التضليل لكنهم لا يقومون بالكشف عن الدجالين خوفًا من لوم المجتمع لهم أو لإخفاء ما يعانونه من أمراض عن المجتمع إذ يعتبرون أنفسهم في نقص أمام نظرائهم في المجتمع”، مشيرًا إلى أن هؤلاء لا يعلمون بأنهم بهذا الصنيع يمنحون لهؤلاء الدجالين فرصة ثمينة من أجل مواصلة دجلهم واصطياد ضحايا آخرين لهم”.