+A
A-

دعوة للأخذ بتجربة السعودية والإمارات في مكافحة الجرائم التقنية

تطبيق القانون بإمكانه أن يغيّر من سلوك المجتمع من العنف إلى التسامح

2011 يعتبر مفصليًّا وشهد أحداثًا وردود فعل مؤسفة في بقاع العالم

“فيسبوك” ألغى 650 حسابًا تدار من روسيا وإيران وتحرض على دول التعاون

 

قدم مدير برنامج البحرين لأفضل الممارسات إبراهيم التميمي ورقة عمل عن دور وسائط التواصل الاجتماعي في تعزيز الإيجابية والتسامح ونبذ الكراهية والعنف والتطرف، في القمة العالمية للتسامح التي عقدت مؤخرا في الإمارات، وأوضح أن تطبيق القانون بإمكانه أن يغيّر من سلوك المجتمع من العنف إلى التسامح، أكثر من تأثير الموعظة على نفوس البشر.

وذكر التميمي في ورقته أن العام 2011 يعتبر عاماً مفصلياً في تاريخ البشرية، حيث شهد أحداثا وردود فعل مؤسفة في أكثر بقاع العالم، وأشار إلى أن تطبيق “فيسبوك” الشهير ألغى في أغسطس 2018 نحو 650 حسابا يحرض على كراهية أنظمة وسياسة دول الخليج العربي كانت تدار من روسيا وإيران، ودعا في توصياته للأخذ بتجربة السعودية، والإمارات قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات.

وذكر التميمي في ورقته، التي تناولت 4 محاور، أن الصحابي الجليل عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، ومن ناحية تفسير معاصر للقول فان السلطان هنا هو القانون، والقرآن هو الموعظة وبرامج التوعية، فان تطبيق القانون بإمكانه أن يغيّر من سلوك المجتمع من العنف إلى التسامح، اكثر من تأثير الموعظة على نفوس البشر. وقد كان قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات في المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة نموذجاً فريداً لتعزيز التسامح ومحاربة خطاب العنف والكراهية على وسائط التواصل الاجتماعي.

 

المحور الأول

تأثير وسائل التواصل في مجتمع اليوم

لقد كانت وسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي في العالم، منذ 2010 حتى شهر مارس 2017، أرضا خصبة لممارسة العنف والكراهية، ففي احداث الانتخابات الكينية في العام 2007، قتل 13 ألف شخص وتم تشريد اكثر من مليون شخص بسبب شكوك حول نزاهة الانتخابات، الأمر الذي دعى الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما إلى توجيه كلمه إلى أهله في كينيا مطالبا اياهم بالتعقل، لكن وبعد مُضي 10 سنوات على هذه الفاجعة وفي انتخابات 2017، مارست وسائط التواصل الاجتماعي في المجتمع الكيني أبشع أنواع واساليب نبش العنصرية والنزعة القبلية والتحريض على الكراهية والعنف، فأغرقت المجتمع الكيني ب”هاش تاغات” وصور تُذكَر الكينيين بأحداث 2007 وتتهم الشرطة بشكل مباشر في عمليات القتل، للتشكيك في نزاهة الانتخابات، على الرغم أن معهد كارتر للابحاث كان مراقباً للانتخابات الكينية وأشاد بنزاهة العملية الانتخابية، إلا انه يبدو أن المجتمعات لم تعد تتأثر بهذه التصريحات الكلاسيكية.

وتبين لاحقاً من خلال بعض التقارير أن موظفاً في إدارة تقنية المعلومات في رئاسة الجمهورية الكينية يدعم وصول زعيم المعارضة في كينيا إلى كرسي الرئاسة، قرر التعاقد مع احدى الشركات المتخصصة في “السوشيل ميديا” بهدف التشكيك في نزاهة الانتخابات، فانتهى الأمر بمقتل موظف تقنية المعلومات وسيدة أخرى.

ولا يمكن أن يمضي عن ذاكرة البشرية مقتل النائب عن حزب العمال البريطاني جو كوكس، لكن الأمر الذي لم ننتبه له انه وبعد مقتلها، نُشرت 50 ألف تغريدة على “تويتر” تشيد بقاتلها وتدعو إلى ممارسة الكثير من العنف ضد من يحملون هذه المناصب وتدعو للكراهية والعنف والانتقام.

إن عام 2011 يعتبر عاماً مفصلياً في تاريخ البشرية، فبعد احداثه المؤسفة في اكثر بقاع العالم، أكدت دراسات مختلفة في علوم الاجتماع والاقتصاد والسياسة، أن بعض المجتمعات قد وصلت إلى هذه المراحل غير المتوقعة من ردات الفعل بسبب تدهور الخدمات العامة، مما حذا بمنظمة الأمم المتحدة للتنمية البشرية UNDP ان تُصدر تقريرها السنوي بعنوان درء المخاطر، وقد اضافت له معياراً جديداً تم على أساسه تغيير ترتيب كثير من الدول رئيسا وهو معيار (الشعور بالرفاه)، وقد شمل هذا المعيار مؤشراً مهماً يُقاس على أساسه التماسك في المجتمعات وهو مؤشر (الثقة في الآخر). وقد جاءت المملكة العربية السعودية في مقدمة ترتيب الدول العربية بأن 36 % من المجتمع جديرون بالثقة، أما لبنان فقد جاء في قاع الترتيب بنسبة 7 % من المجتمع يستحقون الثقة.

المؤشر الآخر الذي تم اضافته إلى تقرير التنمية البشرية هو مؤشر السعادة، ومن الملاحظ أن مؤشر السعادة في كل دول العالم يرتفع سنوياً، إلا في العالم الاسلامي فانه ينخفض بمعدل 0.05 % .

الأمر الآخر، فان محركات البحث تؤكد أن مفردة (and peace  Tolerance Diversity and) باللغة الانجليزية وتعني التنوع والتسامح والسلام، قد تم تداولها في تطبيق “تويتر” بنسبة 53% في الولايات المتحدة الأميركية والهند، اما في استراليا فقد تم تداولها بنسبة 19%، بينما تم تداولها في العالم العربي بنسبة 1.9 %.

مما حذا بهيئات ومنظمات حقوق الإنسان في استراليا إلى تطبيق تدريبات خاصة بمجتمع الاسترالي على كيفية التعبير عن رأيه في القضايا العرقية باستخدام كلمات Diversity and Tolerance.

أما بشأن اللغة العربية واستخدام مفردات (تسامح والتنوع والسلام) فقد حازت دولة الإمارات بالنسبة الأعلى في العالم بنسبة تداول 36 % وفي السعودية بنسبة 23 %، وأما مفردة التنوع فقد تخصص فيها الناشطون في سلطنة عمان بنسبة كبيرة.

 

المحور الثاني

هل تتأثر سياسات وسائط التواصل بمبادرات المجتمع؟

الحقيقة أن موقع “يوتيوب” تم إجباره على تغيير سياسته في نشر الفيديوهات المثيرة للجدل الديني بعد أن شكلت 15 منظمة مدنية لمكافحة بث الكراهية على الانترنت لجنة من 15 خبيرا، من العديد من الشركات غير الحكومية للإستفادة من خبرتهم في مجال خطاب الكراهية المنتشر على الإنترنت، ولكن “يوتيوب” رفضت مسح مقاطع الفيديو المثيرة للجدل الديني، واكتفت في الإبقاء عليها في حالة محدودة، بحيث يمكن الوصول إليها من خلال البحث وروابطها المباشرة، لكنها لن تقترحها للمشاهدة على المستخدمين الآخرين.

ولكن واجهت “يوتيوب” انتقادات عدة من كبرى الشركات بأنها تتسامح مع المحتوى الإرهابي والعنيف وتبقيه على موقعها بل احيانا كانت مقاطع الفيديو المثيرة للجدل تُعرض كإعلانات، الأمر الذي دفع تلك الشركات لسحب الإعلانات وإيقاف ميزانياتها الضخمة ريثما تصلح “قوقل” الوضع، وآملت الشركات أنه بهذه الطريقة ستتحسن سياسات “يوتيوب” وسيكون الموقع مكاناً آمناً للتصفح. وفي مارس 2017 قادت “قوقل”حملة تشديد ضد خطاب الكراهية وساهمت في حذف 150 ألف مقطع فيديو مثير للجدل الديني من “يوتيوب”.

من جهة أخرى، فان موقع “فيس بوك” الشهير ألغى في أغسطس 2018 نحو 650 حساب يحرض على كراهية أنظمة وسياسة دول الخليج العربي، كانت تدار من روسيا وإيران بحسب تصريح مؤسس ومالك شركة فيسبوك.

إن العالم أدرك اهمية خطاب التسامح والايجابية ويسعى إلى محاربة خطابات العنف والكراهية، ولقد قامت احدى الشركات الأميركية وبالتعاون مع احدى المؤسسات العسكرية الأميركية بتطوير روبوت يدعى Deep Moji، وتكمن مهمته في تحليل التغريدات والصور ومقاطع الفيديو، ولقد قام Deep Moji لحد اليوم بتحليل 2 مليار تغريدة على “تويتر” وحدد نوع الخطاب فيها.

ولأن موقع “تويتر” يشار اليه على انه اكثر المواقع الخصبة لخطابات العنف فقد أطلق موقعا خاصا لمتابعة ومعرفة أي حساب يقوم بحملات دعائية على “تويتر”، وما إذا كانت ذات توجهات سياسية تسعى للتأثير على الرأي العام أم دعايات شرعية مُسوغة، كما يتيح للجميع البحث عن دعايات أي حساب لـ٧ أيام!

 

المحور الثالث

مبادرات ناجحة في نشر ثقافة التسامح

إن الذاكرة الدينية اليهودية المسجلة تؤكد أن عُمر سيدنا آدم على الأرض يقترب من 10 آلاف سنة، فلو كانت بلدي مملكة البحرين انساناً لكان عمره اليوم نصف عمر البشرية، إن حضارة البحرين تمتد إلى قرابة 5 آلاف سنة من الممارسات الانسانية في التعايش والتسامح.

ولقد عقدت البحرين 3 منتديات في حوار الأديان والتسامح في 2002 و2005 و2008، وانشئ عاهل البلاد صحاب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، مركز الملك حمد العالمي للتعايش السلمي، ودشن كرسي الملك حمد لحوار الاديان والتعايش في جامعة سابيانزا الإيطالية، كما نال صاحب السمو الملكي رئيس الوزراء عدداً من جوائز وميداليات السلام والتعايش من العديد من المنظمات الأهلية الدولية المحترمة، وذلك لدور رئيس الحكومة في هذا الجانب. البحرين التي تجمع في مساحة 500 متر مربع مسجداً ومأتماً وكنيسة، وتضم مقبرة لأديان مختلفة، هي نموذج للتعايش لا يوجد في أي مكان في العالم.

أما في مجال وسائط التواصل الاجتماعي، فقد أصدرت حكومة البحرين وبتوجيه من رئيس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة مدونة سلوك للموظف الحكومي لضبط وتوجيه استخدامات الموظفين لوسائط التواصل الاجتماعي، وتعتبر هذه المدونة من الممارسات الفريدة في الشرق الأوسط.

وفي جامعة البحرين تم تدشين العيادة القانونية، والتي تهدف إلى تعزيز ثقافة التسامح والحوار البناء والثقافة القانونية، وأتوقع لها أن تكون نواة ل”جاثم هاوس” شرق أوسطي في المستقبل، حيث تقوم العيادة بتدريب الطلبة على ثقافة الحوار والنقاش المنطقي والمناظرات في القضايا ذات وجهات النظر المختلفة.

 

المحور الرابع

دور الإعلام في تقاسم رسالة السلام والتسامح

إذا كان في الاقتصاد معضلة (غسيل الأموال) فانه وفي الاعلام توجد معضلة (غسيل المعلومات)، فالولايات المتساهلة في استضافة المواقع الالكترونية والحسابات المحرضة على العنف والتي تنشر معلومات مضللة، هي في الواقع تؤدي ما تؤديه الولايات المتساهلة في نقل الأموال المتحصلة من تجارة السلاح وبيع المخدرات وغيرها.

إن سهولة اخفاء الهوية في وسائط الاعلام الرقمية كانت سببا في نشر خطابات الكراهية، ولقد كان لأجهزة الأمن البحرينية ممارسة عالمية في الكشف عن أكبر شبكة تحرش عبر الانترنت في العالم، بالاضافة إلى وجود شبكات أخرى تساهم في اقناع الأفراد بالانخراط في جماعات مسلحة وتوجههم إلى ممارسة العنف بطريقة واعية وغير واعية، كشفتها أجهزة البحرين وساهمت في حماية أطفال العالم من الابتزاز.

إن برامج اخفاء الهوية وإن مكّنت كثير من المجتمعات التي تعاني من القمع في اعلان رأيها مثل المجتمع الإيراني الذي يُعد اكثر مجتمع في العالم يستخدم برامج إخفاء الهوية، إلا أن هذه البرامج صعبت من مهمة تتبع مؤلفي المحتوى وملاحقتهم قضائياً.

الحقيقة انني ادعو إلى تكثيف دراسة العلوم الإنسانية والفلسفة بالذات لتنمية الفكر النقدي والارتقاء به وذلك بهدف تقييم مسيرة الإنسان في التنمية الحضارية، وأن لا يتم اهمال هذه العلوم، فلطالما كانت سبباً في اكتشاف أسباب انحراف المجتمعات وجشعها الاقتصادي والصناعي وتأثيره على مصفوفة القيم المجتمعية.

 

التوصيات

أوصي في نهاية الورقة بضرورة:

برمجة تطبيقات وروبوتات تستطيع أن تحلل خطابات العنف والكراهية، وأن لا تعتمد الحكومات على البلاغات والشكاوى ضد محتويات المواقع الالكتروني ومقاطع الفيديو، وتعمل الحكومات بمبدأ الاستباقية قبل وقوع الحدث.

الأخذ بتجربة التعليم في سنغافورة، وحيث أن هذه الجزيرة الصغيرة في العالم، ذات 5 ملايين نسمة، وضعت من ضمن مناهجها الدراسية، أن كل طالب يجب أن يعيش لفترة معينة من حياته في بيت الطالب الآخر من الفئة الدينية والعرقية الأخرى، وقد عززت سنغافورة بهذا المنهج الدراسي اسلوباً مهما في الادارة الحديثة وهو Communication Model.

ادعو إلى نشر قيمنا العربية الأصيلة، فالعربي انسان شجاع، وقيم الفروسية لا تقتضي من العربي أن يُفجّر نفسه وينتحر في مدرسة أو مستشفى أو غيره، إن قيمنا العربية ترمز إلى الكرم، والكرم لا يعني التبذير والاستهلاك، إننا أمة وسطية أمة تسعى لترك الأثر.

ادعو الدول المستقبلة للمهاجرين أن تعمل على ادماجهم في المجتمع، وأن تضع لهم برامج تساعد على عدم التمييز بينهم وبين المواطنين.

ادعو للأخذ بتجربة السعودية والإمارات في قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، الذي رفع قيمة العقوبات المادية على مرتكبي جرائم القذف والاساءة والمحرضين على كراهية الاشخاص والأديان والطوائف، وساهم في تعزيز التسامح والوسطية في الخطاب.