+A
A-

قاضٍ يوصي في رسالة الدكتوراه بتعديل نص دستوري حمايةً للأفراد

طالب القاضي علي الجزاف بضرورة تضمين الدستور نصا يحظر المساس بالحق في سلامة الجسم على وجه الخصوص في حال إعلان الأحكام العرفية، وقال القاضي الجزاف في توصيات رسالة الدكتوراه التي نالها في القانون العام من جامعة البحرين، على أن المادة (123) من الدستور أباحت تعطيل أحكامه في حال إعلان الأحكام العرفية، ولاشك أن مثل هذا النص يدقع ناقوس الخطر، ولذلك فدعت الرسالة المشرع الدستوري إلى إضافة فقرة في عجز المادة (123) من الدستور ليكون نصها، (ولا يجوز بأي حال كذلك تعطيل أو انتقاص الحق في الحياة وسلامة الجسم، كما لا يُباح المساس بهما بأي شكل من الأشكال).

وقدم الأطروحة، التي وسمت بعنوان: “الحماية الجنائية للحق في سلامة الجسم بمناسبة إجراءات جمع الاستدلالات والتحقيق الابتدائي - دراسة مقارنة”، وذلك استكمالا لمتطلبات نيل درجة الدكتوراه في القانون العام.

وأوضح الجزاف أن المشرّع البحريني حرص على توسعة نطاق الحماية الجنائية الموضوعية للحق في سلامة الجسم بمناسبة إجراءات جمع الاستدلالات والتحقيق الابتدائي، وذلك من خلال إمكان إعمال نصوص جرائم الاعتداء على سلامة جسم الغير على الحالات التي لا ترتقي إلى مرتبة التعذيب، وأن النصوص تلقي بظلالها عليها بحيث توفر الحماية الجنائية الموضوعية للحق في سلامة الجسم بمناسبة إجراءات جمع الاستدلالات والتحقيق الابتدائي.

وأكد الجزاف أنه أكد في توصيات أطروحته ضرورة معالجة جريمة التعذيب في موضع واحد مع مغايرة العقوبة بحسب صفة مرتكب هذه الجريمة، مشيرا إلى أنه في مجال تنظيم جريمة التعذيب؛ وخصوصا فيما يتعلق بعنصر الصفة لدى الجاني فقد حبذ الاتجاه الذي تبناه المشرع عندما جرم التعذيب الواقع من غير ذوي الصفة لما فيه من توسيع من نطاق الحماية.

وتابع، إلا أننا بينَّا ألاّ مبرر لتكرار ذات النص في موضعين مختلفين مع المغايرة في صفة الجاني مع تقرير عقوبة واحدة لكلتا الجريمتين، واقترحنا عليه أن يعالج هذه الجريمة في نصٍ واحدٍ يكون على قرار نص المادة (232) من قانون العقوبات، ثم يجعل من وقوع هذه الجريمة من موظف عام أو مكلف بخدمة عامة ظرفا مشددا، وكذلك الأمر بالنسبة للسلوك الإجرامي في جريمة التعذيب، إذ لم ينص المشرع البحريني على حال الأمر بالتعذيب، فحبذا لو أُضيف لفظ الأمر بالتعذيب لقطع دابر أي اجتهاد في هذا الجانب، وأخيرا فيما يتعلق بجريمة التعذيب فقد اقترحنا على المشرع أن يفرق بين التعذيب الجسدي والتعذيب المعنوي فيما يتعلق بدرجة الجسامة، فيُبقي الحال كما هو عليه بالنسبة للتعذيب المعنوي وذلك باشتراط أن يكون على قدر من الجسامة، في حين لا يُخرج التعذيب الجسدي الذي تتخلف عنه نتيجة بسيطة من نطاق الحماية الجنائية المقررة بموجب نصوص جريمة التعذيب، وأن يُقرر عقوبة وإن كانت أقل من العقوبة المقررة لحالة الألم والمعاناة الشديدين، إلا أنها أكثر جسامة من عقوبة جنحة الاعتداء العمدي على سلامة جسم الغير.

وعن الأهمية التي تحظى بها الدراسة، قال القاضي الجزاف: “أول ما يمكن التدليل من خلاله على أهمية هذه الدراسة أنها تتصل مباشرة بأحد أهم الحقوق والحريات، وهو الحق في سلامة الجسم”، مضيفا بأنها “تتصل بالدعوى الجنائية التي يتمحور موضعها حول المساس بأمن واستقرار المجتمع فضلاً عن الأفراد”.

واقترح أن تتبنى الدولة، بالاستعانة بالمؤسسات التعليمية والأكاديمية، برامج ترمي إلى إعداد الموظفين المطلعين بإنفاذ القانون وتطبيقه من جهة وفقا لمناهج وخطط مدروسة، وأن ترتقي من جهة أخرى بمستوى الوعي الحقوقي لدى عموم الأفراد وذلك من خلال تنظيم محاضرات وورش عمل للكافة تشمل أفراد المجتمع من الجنسين وفي مختلف الأعمار في سبيل ذلك.

ودعت النتائج التي خرج بها من دراسته، بالقول بأن المشرع البحريني جرّم أي شكل من أشكال التعدي على الحق في سلامة الجسم بمناسبة إجراءات جمع الاستدلالات والتحقيق الابتدائي، حيث لم يكتف المشرع بعدم تشريع أي إجراء جنائي يعطل التمتع بالحق في سلامة الجسم بصفة كلية، وإنما نص صراحة على عدم جواز التعدي على هذا الحق أثناء أو بمناسبة اتخاذ إجراءات جمع الاستدلالات أو التحقيق الابتدائي واعتبره أمرا مجرما ومعاقبا عليه.

كما أكدت نتائج الرسالة على عدم جواز استخدام الوسائل الحديثة في التحقيق، مثل جهاز قياس الانفعالات “جهاز كشف الكذب” والتنويم المغناطيسي ومصل الحقيقة، وكل دليل ينتج عن استخدام مثل هذه الوسائل يهدر ولا يعول عليه.

وأشار إلى حرص المشرع على توسعة نطاق الحماية الجنائية الموضوعية للحق في سلامة الجسم بمناسبة إجراءات جمع الاستدلالات والتحقيق الابتدائي وذلك من خلال إمكان إعمال نصوص جرائم الاعتداء على سلامة جسم الغير على الحالات التي لا ترتقي إلى مرتبة التعذيب، فقد تبين كيف أن هذه النصوص تلقي بضلالها عليها بحيث توفر الحماية الجنائية الموضوعية للحق في سلامة الجسم بمناسبة إجراءات جمع الاستدلالات والتحقيق الابتدائي، وأن إعمال نصوص جرائم الاعتداء على سلامة جسم الغير تلح دواعيها في حال التعدي على الحق في سلامة الجسم في مرحلة جمع الاستدلالات، حيث يتطلب المشرع في نطاق جريمة التعذيب أن تكون الضحية محتجزة لدى الجاني أو تحت سيطرته، وهو الأمر الذي يندر حدوثه في مرحلة جمع الاستدلالات لما لهذه الإجراءات من طبيعة تجعلها لا تتضمن مساساً بالأفراد، ومن هنا يبرز دور نصوص جرائم الاعتداء على سلامة جسم الغير على اعتبار أن هذه الأخيرة لا تتطلب أن تكون الضحية محتجزة لدى الجاني أو تحت سيطرته، بل إن نطاق الحماية الجنائية التي توفرها الأخيرة تستطيل إلى أحوال التسبب خطأ بالمساس بسلامة جسم الغير، كحال إهمال متابعة الحالة الصحية للموقوف.

كما تطرف إلى موازنة المشرع في مجال إقرار الحماية الجنائية الإجرائية للحق موضوع الدراسة بين المصالح المتعارضة، فإذا عُثر على أن عدم اتخاذ هذا النوع من الإجراءات يستتبع بالضرورة وقوع ضرر بالمتجمع متمثلا في فلات الجاني الذي عكر صفو المجتمع من العقاب؛ ووجد إن هذا الضرر أكبر من الضرر الناتج عن عدم إباحة اتخاذ مثل هذا الإجراء، فإنه يرجح الأول ويضحي بالآخر، وهنا تكمن فلسفة تشريع إباحة اتخاذ إجراءات مثل القبض والإحضار والاستعراف باستعمال الكلاب البوليسية وتوقيع الكشف الطبي على المتهم وأخذ عينات الدم منه، ووفقاً لمفهوم المخالفة لو وجد المشرع أن في اتخاذ إجراء جنائي ما مساسا جسيما بسلامة جسم الأفراد لما أباح اتخاذه، وهنا تكمن فلسفة حضر التعذيب.

وأكد الجزاف على أن ما تقدم به من توصيات لا يغني عن القول بأن الركيزة الرئيسة في حماية الحق في سلامة الجسم بمناسبة إجراءات جمع الاستدلالات والتحقيق الابتدائي هي حرص الجهة القائمة على اتخاذ الإجراء الجنائي على أن يتخذ هذا الإجراء على نحو يضمن صيانة هذا الحق، فمهما وضعت من ضمانات وضوابط ومهما سطرت من نظريات ومبادئ؛ خصوصا وأنهم حراس القانون وحماته.

وأقترح أن تتبنى الدولة بالاستعانة بالمؤسسات التعليمية والأكاديمية برامج ترمي إلى إعداد الموظفين المضطلعين بإنفاذ القانون وتطبيقه من جهة وفقاً لمناهج وخطط مدروسة، وأن ترتقي من جهة أخرى بمستوى الوعي الحقوقي لدى عموم الأفراد وذلك من خلال تنظيم محاضرات وورش عمل للكافة تشمل أفراد المجتمع من الجنسين، وفي مختلف الأعمار في سبيل ذلك.

كما شدد على الدور الملقى على عاتق الموظفين القائمين على إنفاذ القانون في صيانة الحقوق والحريات، وحث من جهة أخرى السلطات المختصة بتطبيق القانون بالتعامل مع كل حال يُنتهك فيها حق الأفراد في سلامة الجسم بكل حزم، سواء من خلال إجراءات الملاحقة والتحقيق والمحاكمة وصولاً للعقاب، أو من خلال عدم التهاون في قبول أي دليل يثبت أنه نتج عن مثل هذا السلوك، وليس ذلك إلا في سبيل ضمان صيانة الحق في سلامة.