+A
A-

“مراداة أهل المحرق”.. كتاب ثري وقيم للباحث بن حربان

ممارسة الكتابة.. استمرار الكتابة.. اعتناق الكتابة.. هذه هي الجولات التي يقوم بها الفنان والباحث جاسم محمد بن حربان الذي اثرى المكتبة البحرينية بالعديد من الكتب القيمة التي دون فيها التراث البحريني وآخرها كتاب “مراداة أهل المحرق” الذي تم تدشينه قبل ايام في معرض البحرين الدولي للكتاب وتزامنا مع اختيار المحرق عاصمة الثقافة الاسلامية. المراداة كما يقول عنها بن حربان احد اهم عناصر التراث الشعبي وجزء مهم من الذاكرة والوجدان الجمعي للمجتمع، فهي نتاج للتكوين الثقافي والحضاري وانعكاس للبيئة الطبيعية والجو الاجتماعي السائد، ويضيف “المراداة فن نسائي يغلب على طابعه انوثة فياضة مسترسلة في عمق الماضي، رزينة في معطياتها سباقة في جرأة لم يسبقها خوف ولا تراجع تطرح المرأة امورها الحياتية بتفهم واستباقية للحدث الذي يمر بها. ان العادة المتبعة في الغناء جماعية الترجمة تختلط فيها الحناجر المعبرة بانطلاقة المحارب الذي يسعى الى النصر دائما وان كانت هناك انطلاقة لحنجرة واحدة تتبعها ترجمات كورالية للقول نفسه متبعين التفرد في الغناء والردود الجماعية الجناسية.

والمراداة كما يعرفها الحربان بدوية المنشأ، وصلت الينا عن طريق القبائل العربية التي نزحت من وسط شبة الجزيرة العربية خلال النصف الثاني من القرن السابع عشر الميلادي تقريبا، وظلت تمارس بشكل كبير حتى اواخر الخمسينات من القرن التاسع عشر الميلادي ولكنها بقيت متداولة حتى وقتنا الحاضر بشكل بسيط في الاحتفالات المدرسية او المناسبات التي تقيمها الجمعيات النسائية، ويبدو ان اسم هذه الرقصة مشتق من إما من “رأد” او ان اصل التسمية مشتق من “راد” وهو الاقرب. ورادت الابل ترود ريادا. والرادة من النساء هي التي ترود وتطوف ويقال بالعامية للتعبير عن نفس الدلالة “فلان يراود المكان” بمعنى يكرر الذهاب اليه والعودة منه.

تؤدى المراداة في المناسبات الاحتفالية الكبرى مثلا حين عودة الغواويص من الغوص او العيدين الاضحى وعيد الفطر المباركين، وايضا هناك مناسبات كثيرة كالنذور وغيرها ولا يمنع اداء هذا الفن في اي من اوقات السنة حيث ان ذلك يتم بحسب الرغبة مع توافر العدد المناسب والمناسبة.

ويتابع الحربان تعريف المراداة فيقول: قالت الباحثة البحرينية الاعلامية ليلى الحدي ان فن المراداة وهي رقصة نسائية دخلت البحرين تزامنا مع دخول آل خليفة الكرام البحرين ومع العرضة البحرينية قبل اكثر من مائتي عام ونيف.

ان اغلب نصوص المراداة عبارة عن ابيات شعرية ترتجلها النساء في ميدان الرقص معتمدة على الاسجاع والاراجيز والاوزان الشعرية العربية والخفيفية وتقول الكثير من النسوة اللاتي اجريت معهن عدة لقاءات “ الكلام للحربان” ان اقامة رقصة المراداة في البيوت تتيح للامهات انتقاء زوجات المستقبل لابنائهن اي ان الام عندما تدعى الى هذا الاحتفال فانها تحضر واضعة امام نصب اعينها العروس التي سوف تختارها لابنها.

ثم يشرح الحربان طريقة رقصة المراداة فيقول: تشترك في المراداة من عشرين الى ثلاثين فتاة، وتمسك كل فتاة بكف الاخرى ويبدأن في الصف الاول بغناء شطر من القصيدة مع رفع اذرعتهن الى الاعلى وضرب ارجلهن في الارض متقدمين نحو الصف الثاني ثم يرجعن الى الخلف، بعدها يبدأ الصف الثاني بمثل ما فعل الصف الاول ويتكرر ذلك حتى نهاية القصيدة او الكلمات المبدعة من بعض النسوة الاتي استطعن الاضافة بمفردات الارتجال. وتشتمل لمراداة على فن اخر يسمى الردحة.

كما استعرض بن حربان طريقة التحضير لاداء الرقصة واوقاتها موضحا ان اغاني المراداة تنقسم نصوصها الى قسمين او نوعين. ثم استعرض في احد فصول الكتاب النصوص الغنائية المصاحبة للكثير من الامور والمناسبات مثل الادعية والتمنيات والفخر والحماسة والمديح والشكوى والهجاء والغزل والرثاء. اضافة الى صور جميلة عن فن المراداة وصور الرواة وملابس فن المراداة وكذلك اسماء اشهر البيوت التي تقوم فيها المراداة ومنها: بيت صاحب العظمة المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ عيسى بن علي آل خليفة، وبيت علي بن عبدالله العبيدلي، وبيت يوسف فخرو، وبيت يوسف سليس وبيت المغفور له الشيخ علي بن عبدالله بن عيسى آل خليفة، وبيت طوق وبيت علي بن موسى وبيت المغفور له بإذن الله الشيخ محمد بن عبدالله بن عيسى آل خليفة.

والكتاب يقع في 255 صفحة من الحجم المتوسط وهو بالفعل اصدار قيم بكل ما تحمله الكلمة من معنى وزاد لا غنى عنه لكل المهتمين بالتراث البحريني الأصيل.