انتهت حرب الأيام الستة عام 1967 المعروفة عربياً ب" نكسة يونيو/ حزيران في العاشر من الشهر حيث بدأت في الخامس منه، أما حرب الأيام مجهولة المدى الإسرائيلية الإيرانية فقد بدأت في الثالث عشر من الشهرنفسه الجاري2025. بوجه من الوجوه يمكن تشبيه الهجوم الإسرائيلي على مصر صبيحة الخامس من يونيو/حزيران الإسرائيلي بالهجوم الإسرائيلي المباغت على إيران فجراً، وحيث وقعت الأخيرة في أخطاء قاتلة ما كان يجب أن تقع فيها، وإن كان الرئيس المصري جمال عبد الناصر في حرب الأيام الستة الإسرائيلية العربية يعلم مسبقاً بموعد الهجوم، وأبلغ القيادة العسكرية بذلك لكنها تجاهلته وسخر قائد الجيش عبد الحكيم عامر منه، وهو نفسه المسؤول الأول عسكرياً عن الهزيمة، لجملة من الأسباب ليس هنا موضع تناولها. والحق كلاهما- ناصر وعامر- يتقاسمان المسؤولية سياسياً وعسكرياً.
في تقرير أخباري تحليلي نشرته" الشرق الأوسط" السعودية الأحد الماضي، أفاد نقلاً عن صحيفة " نيويورك تايمز" بأن القادة الإيرانيون يتوقعون الهجوم الإسرائيلي حال فشل المفاوضات الأميركية الإيرانية حول برنامج طهران النووي، لكن الضربة الإسرائيلية المباغتة عاجلت إيران قبل يومين من موعد الجولة المقبلة السادسة .
ولعل طهران راهنت على الوقت مطمئنةً بأن موعد الهجوم عليها ليس بقريب، وهذا خطأ فادح في الحسابات والتكتيكات العسكرية والسياسية، سيما في ظل ما حققته إسرائيل من نجاحات ساحقة خلال حربها على لبنان، التي لم تؤدِ فقط إلى ضعضعة "محاور المقاومة" التي تتبعها في لبنان واليمن والعراق وسقوط نظام حليفها الأسد الثاني، بل وإلى نجاح إسرائيل في أن توجه إليها ضربة باغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس السابق الذي كان يقيم على ضيافتها في أحد مضايف الحرس الثوري للشخصيات المهمة، ناهيك عن سلسلة من العمليات السابقة الناجحة التي طالت التي استهدفت عدداً من العلماء النوويين .
وفي فجر الهجوم على إيران بدلاً من أن يختار قادة الحرس الثوري منازل آمنة عسكرياً؛ بالنظر للوضع الدقيق الذي تمر به البلاد أمنياً وعسكرية، اختاروا النوم في شققهم أو منازلهم المعروفة سلفاً للموساد الإسرائيلي فكانت الضربة القاضية بحق خيرة علمائها النوويين وقيادات الحرس الثوري،فضلاً عن قيادات في الجيش، وباتت سماوات إيران مكشوفة تماماً للهجوم الجوي الإسرائيلي المباغت بلا دفاعات فاعلة وبلا مقاومة، وقد اعتمدت إسرائيل في ذلك على تفوقها التكنولوجي الساحق مسنوداً باختراقها الواضح للأجهزة الأمنية والعسكرية الإيرانية. ويشبه ما حدث لإيران الهجوم الإسرائيلي على مصر في الساعة الثامنة من صبيحة الخامس من يونيو/ حزيران، إذ كان على الطيارين العسكريين المصريين البقاء داخل طائراتهم العسكرية على جاهزية عسكرية قصوى، طبقاً لتعليمات مدربيهم القادة العسكريين السوفييت ،كما جاء في مذكرات بعضهم بعد انهيار الاتحاد السوفييتي!
ولما كان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد أعلن فور الهجوم الإسرائيلي بأنه على علم مسبق به، فلعله مارس التضليل-بشكل أو آخر- في عقد مفاوضات بلاده النووية مع طهران وعدم الطلب من حليفته إسرائيل الانتظار على الأقل ريثما ما ستسفر عنه جولة الأحد المنتظرة بوساطة عمانية حميدة.
مهما يكن، يُخطئ من يظن أن المواجهة الإسرائيلية الإيرانية الراهنة لا تعنينا من قريب أو من بعيد، أو يسره حدوثها، بل هي أخطر المواجات الحربية في تاريخ حروب الخليج الحديثة على أمن وسلامة دول مجلس التعاون والعراق، فبلداننا على مرمى حجر من المواجهة، وبخاصة لدى حدوث أي خطأ في الحسابات الإيرانية، ويبدو هذا ما تريده إسرائيل، بمعنى دفع إيران نحو حرب شاملة مع دول المنطقة من خلال تصعيد ردودها على الضربات الانتقامية لإيران أضعافاً مضاعفة بحيث تفقد طهران ضبط نفسها و تنزلق نحو ردود تفضي إلى حرب شاملة في المنطقة، أضف إلى ذلك خطر الإشعاعات النووية على أقطارنا جراء ضرب المفاعلات.