في مشهد سياسي دراماتيكي، استقبلت دول الخليج العربي الرئيس الأميركي دونالد ترامب بحفاوة خلال جولته الأخيرة التي شملت المملكة العربية السعودية، ودولة قطر، ودولة الإمارات العربية المتحدة، ولم تكن هذه الزيارة بروتوكولية، بل كانت تحمل تداعيات بعيدة المدى على التغيرات الاستراتيجية التي تعيد هيكلة ديناميكيات القوة في منطقة الشرق الأوسط، حيث تلعب دول الخليج دورًا رائدًا في صناعة مستقبل المنطقة.
وأكدت الزيارة أن الخليج العربي لم يعد مجرد تابع في الحسابات السياسية العالمية، بل هو لاعب نشط وشريك لا يمكن تجاهله. وكان ذلك واضحًا في نتائج الزيارة التي تجاوزت البيانات الدبلوماسية إلى قرارات فعلية، وكان أبرزها رفع العقوبات الأميركية عن سوريا. هذه خطوة بارزة في السياسة الأميركية تجاه سوريا، ولم يكن من الممكن أن تحدث إلا من خلال تفاهمات عميقة مع العواصم الخليجية.
وكما هي العادة، قادت المملكة العربية السعودية الحوار والتنسيق، مؤمنة بأن السلام ليس خيارًا بل ضرورة لاستقرار المنطقة. أما دولة قطر، فقد أثبتت سمعتها كوسيط فعال في فتح خطوط التواصل حتى في أصعب الظروف. وفي دولة الإمارات، تمت صياغة رؤية شاملة للسلام المستدام، حيث تم تفضيل الاستقرار والتنمية على المصالح الضيقة قصيرة الأجل. لم يكن رفع العقوبات عن سوريا مجرد استجابة لطلب سياسي، بل نتيجة جهود دبلوماسية خليجية مكثفة تؤمن بأن الأزمات يمكن التعامل معها عبر الحلول السياسية وليس بالعزل والعقوبات.
وهو ما تبنته دول الخليج في الآونة الأخيرة، ساعية إلى ترميم الأضرار التي تسببت بها التدخلات الدولية غير المدروسة.
وفوق كل شيء، أظهرت الزيارة التلاقي الجديد بين منطقة الخليج العربي وواشنطن في القضايا الإقليمية. وأصبحت العلاقات الآن قائمة على الاحترام المتبادل وتوافق المصالح. دول الخليج اليوم تقترح المبادرات، وتبدأ المفاوضات، ولها تأثير حقيقي على مخرجات السياسات الخارجية. وقد أكدت زيارة ترامب أن الخليج أصبح اليوم قلبًا نابضًا للمنطقة، ومركزًا إقليميًا لصنع القرار. إنها لحظة سياسية يجب البناء عليها، وليس الاكتفاء بالاحتفاء بها. وعلى الرغم من أن الطريق نحو السلام في الشرق الأوسط لا يزال طويلًا، فإن دور الخليج فيه أصبح أكثر حضورًا وقوة من أي وقت مضى.
كاتبة وأكاديمية بحرينية