العدد 6036
الخميس 24 أبريل 2025
banner
أسعار الفائدة بين خطر الركود وتزايد مؤشرات التضخم
الخميس 24 أبريل 2025

 بطبيعة الحال، ومن البداية، ينبغي أن نفهم ونتفهم موقف الاحتياطي الفدرالي، أي البنك المركزي الأميركي، وتردده حتى الآن في خفض سعر الفائدة، بالرغم من التخوّف المتزايد الذي يسود الأسواق حول إمكانية اتجاه الاقتصاد الأميركي إلى حالة من الركود. إن الإجراءات التي اتخذها الرئيس الأميركي برفع الرسوم الجمركية على صادرات دول العالم إلى أميركا لها بالطبع تداعيات عديدة، إن لم تكن هائلة أيضًا. حيث إن مثل هذه الإجراءات لا تقتصر أبعادها فقط على الحد من منافسة البضائع الأجنبية للبضائع الأميركية، بل إن الأمر في الواقع هو أبعد من ذلك.
وكما نشهد حاليًّا على صعيد دول العالم، فإن الشعور بالتخوّف من تأثر الأوضاع الاقتصادية قد بدأ يتزايد، حيث بدأنا نعيش حالة من الهلع تسود الأسواق المالية العالمية، بما فيها أسواق أميركا نفسها. فالأسواق والبورصات العالمية فقدت خلال بضعة أيام فقط تريليونات من الدولارات، وهو تعبير قاسٍ جدًّا ومكلف في نفس الوقت حول ما يمكن أن تؤول إليه الأمور نتيجة هذه الإجراءات.
صحيح أن الأسواق مؤخرًا استعادت بعضًا من الخسائر الكبيرة التي تكبدتها، وذلك على ضوء تأجيل فرض الرسوم على بعض الدول لمدة 90 يومًا، إلا أن الثقة لم تعد تمامًا للأسواق، حيث يمكن أن تشهد تقلبات أخرى من جديد. إن فرض الرسوم الجمركية على بضائع دول العالم من شأنه الإضرار باقتصادات هذه الدول من خلال تعطيل عمل مصانعها وخدماتها، وبالتالي فقدان مواطنيها لعدد هام من الوظائف وفرص العمل.
وكرد فعل لمثل هذه الإجراءات، فإن هذه الدول المعنية لا بد أن تتخذ في المقابل إجراءات مماثلة تجاه البضائع الأميركية، وهذا ما فعله الاتحاد الأوروبي حديثًا، وإن تم تأجيله مؤقتًا أيضًا. وغني عن القول إن مثل هذه الإجراءات من شأنها أن تجرّ العالم إلى حروب تجارية لا يسلم منها أحد.
إضافة إلى ذلك، فإن مثل هذه الإجراءات تتنافى مع قواعد وقوانين حرية التجارة المتفق عليها من قبل جميع دول العالم الأعضاء في منظمة التجارة العالمية، بما فيها أميركا. لا ننسى أيضًا أن رفع الرسوم الجمركية هو بمثابة ضريبة إضافية على البضائع والسلع، وبالتالي تنعكس هذه الضرائب في شكل ارتفاع جديد في الأسعار، مما يؤدي في المحصلة إلى زيادة معدلات التضخم.

وهذا لا يقتصر فقط على وضع ومعيشة المستهلك الفرد، بل ينسحب ذلك أيضًا على زيادة تكاليف الإنتاج، مما قد لا تتمكن معه بعض القطاعات والمؤسسات من الاستمرار في العمل، وبالتالي الاضطرار إلى تسريح الموظفين والعمال، مما يؤدي بدوره إلى ارتفاع مستويات البطالة. والمحصلة في مثل هذه الأحوال أن الاقتصادات لا تعمل بكامل طاقتها، ولا تصل إلى تحقيق النمو الاقتصادي المنشود، بل على العكس من ذلك، حيث يمكن أن تواجه حالات من الركود والانكماش الاقتصادي. 
وأمام هذه المعضلة المتمثلة في احتمالات الركود الاقتصادي من ناحية، وارتفاع الأسعار وعودة التضخم من ناحية أخرى، فإن السلطات النقدية تكون في هذه الحالة في وضع لا تُحسد عليه، حيث إن تحديد أسعار الفائدة في مثل هذه الظروف يبدو عملية غاية في الصعوبة.
فالأمور في العادة تكون إما حالة تضخم نتيجة لسخونة الاقتصاد، أي الحالة التي يشهد فيها الاقتصاد نشاطًا محمومًا، وفي مثل هذه الحالة تلجأ السلطات النقدية إلى رفع أسعار الفائدة للحد من مخاطر التضخم وارتفاع الأسعار من خلال تخفيف وتيرة النشاط الاقتصادي. وعلى العكس من ذلك، عندما تكون حالة الاقتصاد تتصف بالضعف، متزامنة مع معدلات تضخم متدنية، فإن ذلك يستلزم من السلطات النقدية التدخل من خلال خفض أسعار الفائدة بهدف تنشيط الاقتصاد عن طريق خفض التكاليف المالية للعمليات الإنتاجية.
في مثل هاتين الحالتين، فإن قرار السلطات النقدية يكون واضحًا ومتفقًا عليه دون كثير من الجدل أو التساؤل. لكننا قد نواجه حالة مختلفة تُعرف في علم الاقتصاد بـ”الركود التضخمي”، والتي يتزامن فيها وجود خطر ركود محتمل مع مؤشرات متزايدة للتضخم. ومثل هذه الحالة تضع السلطات النقدية في وضع محيّر إلى حد كبير. فمن ناحية، فإن محاولة معالجة احتمالات الركود من خلال خفض سعر الفائدة يكون محفوفًا بالمخاطر بسبب تزايد مؤشرات التضخم التي تقتضي في العادة رفع سعر الفائدة.
إن الأمر بحق محيّر بالنسبة للسلطات النقدية، التي ستكون قراراتها في مثل هذه الأوضاع مشوبة بالحذر الشديد، حيث إن تحقيق أحد أهدافها في تنشيط الاقتصاد أو مكافحة التضخم لا ينبغي أن يكون على حساب الهدف الآخر.
وضمن الظروف الحالية، فالاحتمال أن تعطي السلطات النقدية الأولوية لتحفيز الاقتصاد من خلال خفض أسعار الفائدة بشكل متدرج، خاصة إذا بقيت معدلات التضخم تحت السيطرة وضمن الحدود المقبولة. لكن بكل تأكيد، فإن مهمة السلطات النقدية لن تكون سهلة، كما أنها تحتاج إلى ضمان استقلالية قرار البنوك المركزية، والتي عادة وفي مثل هذه الظروف تتعرض لضغوط سياسية تؤدي في بعض الحالات إلى اتخاذ قرارات قد لا تكون الأنسب لمعالجة الأوضاع السائدة.
هل تنجح السلطات النقدية في مقاومة هذه الضغوط والإبقاء على استقلالية قراراتها في التعامل مع ما يشهده الاقتصاد العالمي في الوقت الحالي؟ هذا ما سوف يتضح خلال الفترة القصيرة القادمة.

 

الرئيس السابق لصندوق النقد العربي

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .