كان البحث عن المعلومات قديما يتطلب النسخ والتدوين اليدوي، ما يعني مجهودا بدنيا منهكا، ومع انتشار الكتب بسبب اختراع آلة الطباعة أصبح بالإمكان أن يتم نسخ الكتب بكميات كبيرة بشكل آلي، وانتشرت معها المكتبات العامة التي أتاحت الفرصة للاطلاع على درر العلوم، ومع كبر المكتبات وازدياد عدد الكتب بات البحث عن المعلومات المحددة يتطلب مجددا جهدا لا يمكن إنكاره. حتى وصلنا إلى عصر الإنترنت، ومع تطور الشبكة العنكبوتية المذهل وارتفاع كفاءة محركات البحث فيها بات الوصول والحصول على المعلومات مسألة سهلة، وإن كانت تتطلب مهارات تكتسب مع الوقت للغوص أعمق في محركات البحث دون الاكتفاء بالإجابات الأولى الظاهرة؛ لأنها قد تكون موجهة. وأخذت محركات البحث تتطور بشكل مذهل حتى أصبحت جزءا أساسيا من سعي البشر للوصول إلى المعلومات والتعلم. وتعلم الإنسان مع هذه التجربة أهمية السؤال وكيفية طرحه لأجل الحصول على المعلومات المطلوبة بأقل قدر من الهدر الممكن.
وبعدها جاءت مرحلة جديدة ومثيرة ومختلفة تماما بطلها هذه المرة الذكاء الاصطناعي، ومحركات جديدة بأسماء مختلفة لعل أشهرها “التشات جي بي تي”، الذي يتعامل مع الخبرة التراكمية للذاكرة الإنسانية المعرفية الموجودة على الإنترنت ليقدم الإجابات المتعمقة لأي سؤال يطرح عليه بشكل فوري وكامل ومبهر في آن واحد. وهذا يعيد الإنسان الكائن صاحب الفضول بطبعه الساعي للمعرفة بفطرته إلى علاقته مع السؤال المعرفي الأول في كل أوجه المعارف والعلوم. “فوق كل ذي علم عليم”، “علم الإنسان ما لم يعلم”. إن أبواب العلوم تتفتح أمام البشر بشكل لم تر له البشرية مثيلا من قبل.
الذكاء الاصطناعي جعل معه فن السؤال علما بحد ذاته، وبالأحرى هو علم البحث عن العلم، فهنيئا لنا به.