قالت للطبيب إنّ زوجها الذي يُعاني من اكتئاب حاد، يبلغ من العمر (60) عامًا؛ فأرجو الاهتمام به. بدأ الطبيب بأسئلة شخصية للرجل العجوز بينما كانت الزوجة بالخارج، فأجاب بأنّه فقد الاهتمام بكل شيء كان يحبه، بل إنّه غارق في هموم الحياة وضغوط العمل ورعاية الأحفاد وتسديد قروض العقار والسيارة و.. إلخ. ثم نصحه أنْ يذهبَ إلى مدرسته الثانوية التي تخرّج منها بعد أنْ تذكر اسمها كي يُحددّ موقع (سجل الفصل) الخاص به، ويبحث عن أسماء زملائه ويستحصل معلوماتهم الصحية الحالية. وبالفعل عاد إلى الطبيب بعد شهر من مهمة ذهابه إلى المدرسة بعد أنْ قام بتدوين معلومات حوالي (120) من زملائه حتى تفاجأ بأنّ منهم الميت والأرمل والمطلق والمدمن والفقير، ومنهم المتألم من السرطان والقلب، ومنهم المُصاب بالسكري والربو، ومنهم المُعاني من الشلل والصرع، ومنهم المشرّد والمسجون! بعدها عاوده بأنْ يخبره، كيف هي حالة الاكتئاب لديه؟ حينها أدرك الرجل المسنّ أنّه لم يكن يعاني من أيّ مرض، و️لم يكن يتضور جوعًا، ولم يكن سيئ الحظ؛ بل كان عقله سليمًا ويتمتع هو وزوجته وأحفاده بصحة جيدة للغاية، وأنّه قادر على تحمل تكاليف ثلاث وجبات يوميًّا!
تبقى جزءاً طبيعيًّا من تجارب الحياة المُعاشة التي يكون لها كبير التأثير في نظرتنا لأنفسنا عندما نُقارن أنفسنا بالأفراد والجماعات الأخرى على محددات الثقة بالنفس والرضا عن الذات حيال إنجازات يُفتخر بها وأعمال يُعتزّ منها حين تكون حافزًا لتحقيق النجاحات.
أو مساعدًا على تحديد نقاط القوة والنمو في الشخصية والحياة من ناحية، غير أنّها تصل بصاحبها من ناحية أخرى إلى الإحباط والقلق وتقليل الاحترام للذات وسوء تقدير الإنجاز إذا ما صارت بمقارنة سلبية متجاوزة حدودها الطبيعية المُتعارفة؛ لعلّة تعود إلى ضغط اجتماعي أو ثقافة عامة تُعرّف بمدى النجاح المهني والشخصي أو شعور بقبول اجتماعي يضمن تلبية المعايير الاجتماعية أو قلة الثقة بالنفس الذي تشعره بالعدمية!
نافلة:
تأمل “منصّة العقل” في قول: (مَنْ اكتفى بنفسه، اغتنى عن النظر لغيره) حتى يغلق باب المقارنة، ويكتفي بمقارنة نفسه بنفسه، بالنظر إلى نفسه بالتّعلم أولًا وإلى قدراته بالممارسة تاليًا، إلى أنْ يُغير واقعه ويُحررّ نفسه من هوسها المفرط، كما كان عليه أنْ يخفض من سقف توقعاته ويشبع ذاته بالثقة ويتفرد بأهدافه ويخصص مساراته، وهو ما أدركه ذلك الرجل المسنّ (السعيد المحظوظ!) الذي ترك عادة النظر في أطباق الآخرين وتناول الموجود في طبقه لا سواه!.
كاتب وأكاديمي بحريني