العدد 6028
الأربعاء 16 أبريل 2025
الانفصال الكبير والتعامل مع العاصفة الكبرى
الأربعاء 16 أبريل 2025

في عالم الاقتصاد، يشير “الانفصال” إلى تفكيك علاقات التجارة والاستثمار القائمة، وقطع سلاسل التوريد، وبناء شراكات اقتصادية جديدة في مناطق أخرى. ويُعدّ هذا الاتجاه القوة الحاسمة التي ستشكّل ملامح السياسة والاقتصاد العالميين في المستقبل المنظور.
منذ أن أعلن الرئيس ترامب عن رسوم جمركية مشددة في “يوم التحرير”، وما تبعه من رد صيني حازم، دخل الاقتصاد العالمي منعطفًا خطيرًا، له تداعيات عميقة على سلاسل التوريد العالمية. ومن المتوقع أن يؤدي تفتيت هذه السلاسل وتعددها، مع شروع الشركات العالمية في تطوير خطط إنتاج مزدوجة موجهة نحو كل من الولايات المتحدة والصين، إلى انخفاض في الإنتاجية على المستوى العالمي، واستمرار الضغوط التضخمية مع امتداد تعقيد سلاسل التوريد من قطاع إلى آخر، وعلى مدى زمني طويل.
وستكون المصارف العالمية وأسواق رأس المال هي الحلقة التالية في هذا المسار. وتلوح في الأفق قيود أمريكية محتملة على تدفقات رأس المال إلى الصين، في حين تسعى بكين إلى الانفصال عن النظام المالي العالمي القائم على الدولار؛ إذ ترى في هذا الاعتماد نقطة ضعف استراتيجية.
كل هذه التغيرات تمثّل تحديات جديدة للحكومات والشركات والمستثمرين. لذلك، فإن فهم طبيعة هذه التحديات، والخطوات التي قد تتخذها الصين لتجاوزها، وكذلك كيفية استجابة صانعي السياسات في الولايات المتحدة وأوروبا، هو أمر بالغ الأهمية لصياغة أي رؤية موثوقة لمستقبل الاقتصاد السياسي الدولي. 
يقول هاورد ماركس، المؤسس المشارك ورئيس مجلس إدارة شركة Oaktree Capital Management – أكبر مستثمر في الأوراق المالية المتعثرة على مستوى العالم – في مذكرته الأخيرة بتاريخ 9 أبريل 2025، والتي حملت عنوان “لا أحد يعرف (مرة أخرى)”:
“لم يشهد العصر الحديث حروبًا تجارية واسعة النطاق، ولذلك، تبدو بعض النتائج المتوقعة بديهية، مثل احتمال ارتفاع الأسعار. أما الجوانب الأقل وضوحًا، فسيكون من الصعب تمييزها، خصوصًا بسبب الكم الهائل من المجهولات غير المسبوقة في هذه القضية، والتي قد تشكّل أكبر تطور اقتصادي في حياتنا. لا وجود هنا للمعرفة المسبقة، بل لمزيد من التعقيد وعدم اليقين، ويجب علينا تقبّل ذلك”.
من جهة، إذا ظلت الرسوم الجمركية على حالها، وتصاعد الرد الانتقامي إلى حرب تجارية شاملة، فقد تكون النتائج الاقتصادية كارثية. ومن جهة أخرى، قد يسود الهدوء، وربما تؤدي ردود الفعل السياسية والسوقية السلبية إلى التراجع عن بعض تلك الرسوم، بما يخفف الضرر، وربما يُمهّد لتحقيق مكاسب لصالح التجارة الحرة.
لا تتقاسم الولايات المتحدة والصين منظومة قيم مشتركة، وكل منهما يسعى إلى تشكيل نظام عالمي يتمحور حول رؤيته الخاصة. وهما اليوم بصدد الانفصال، ويعملان على تحقيق الاكتفاء الذاتي ضمن نطاق نفوذهما. هذا “الانفصال الكبير”، كما يُطلق على هذا التنافس الشامل بين القوى العظمى، يفتح فرصًا متعددة عبر فئات الأصول المختلفة، سواء للمستثمرين طويلي الأجل أو أصحاب استراتيجيات العائد المطلق.
أنصح جميع المستثمرين الخليجيين والعرب بقراءة مذكرات هاورد ماركس بانتظام؛ لما فيها من قيمة تحليلية عميقة تساعد على تطوير القدرات الذاتية في قراءة الأسواق العالمية، وبناء فلسفة استثمارية تجمع بين الانتهازية المدروسة والاستثمار طويل الأمد.

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية