العدد 6008
الخميس 27 مارس 2025
قطع الكهرباء عن ثلاجة التاريخ
الخميس 27 مارس 2025

لست مازوخيًّا أتلذذ بإيقاع الألم على الذات، وهنا الذات أعني واقعنا العربي المؤلم، ولكن وأنا أتلصص خلسة على أخبار العالم الاسلامي أخاف أن أقع في بحيرة الوجع والأمراض ... الحروب تنتج ما بعد النزف صدمات للجميع بين اضطراب ثنائي القطب واضطراب الشخصية الحدية والاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة وكذلك الانفصام (الشوزفرينية) وكأننا كتب علينا أن نلهو بنوافير الدم عند كل (ربيع). وحده المثقف الواقعي ربما ينجو من كل كومة الغباء الذي يوزع عبر عربات الحماقات السياسية إذا ما أتقن ذكاء المسافة، وخرج من سجون هلوسات الايديولوجيات.
فشل القوميون ورحلوا وسقط وهم الاشتراكية ورحلت، وفشل البعث العراقي والسوري في تقديم نموذج للحكم على شكل حرية وخبز للناس.
و كان الأكثر فشلًا الإسلام السياسي.. الذي قدم شعارات ساحرة لمخابز سياسية لا تقدم إلا أرغفة بلاستيكية كما هو تعبير الآية الكريمة
“لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ“
[الغاشية:7].
كل الحركات الإسلاموية ما لم تتعاط مع السياسة بواقعية ستسقط لأن سياستها كمن يمشي حافيًا على الزجاج ويريد إقناع الناس أن نزف الأرجل عسل،
وأن الخراب عمران، وأن الرصاص الذي يسقط مطر جميل. هذا انتحار جماعي كما هو تشخيص غوستاف لوبون.
ماذا تريد الناس من أي زعيم سياسي يتصدر المشهد؟ تريد محاميًا يترافع عن ملفاتها بحرفية، وكم من حركة إسلامية تصدرت المشهد كمحام فاشل أمام قضية عادلة؟.
الجماهير قد تنفجر في أي لحظة علي الإسلام السياسي ورجاله، بل بدأت تنفجر، فبعد انتهاء مفعول حشيش التخدير من كثرة الأوجاع اليومية، ومن القرارات الكارثية.. حشيش الأناشيد والمغيبات ستلتف الجماهير على الدينيين المسيسين كما يحدث هذه الأيام في غزة، فخرجت جماهير غاضبة علي سياسة حماس بشعارات تنتقد الحركة. الناس تريد أمنًا، مالًا، خبزًا، سعادة لأبنائها،
تعبت من الحروب والمحارق.
هذا ما كنا نقوله منذ سنين، نحن لسنا ضد أحد، وكل ما نريده الواقعية، وحفظ الناس من دفع الفواتير السياسية.
أثبتت الحركات أنها ليست بمستوى إدارة الناس أو إقامة حكم أو الترافع عن المجتمعات، الحكم لا يقام بلباس عنترة أو الاتكاء على أحاديث مزورة أو على قادة رجال دين يقرأون السياسة وهم لم يدرسوا علم السياسة ولم يقرأوا كتابًا علميًّا، ومسكونين بالتاريخ.
أتمني على رجال الدين صناعة الجنة الأرضية للناس قبل الجنة الأخروية فليس صحيحًا أو من الإنصاف تحويش جنة الأرض لأنفسهم وأولادهم وتدمير جنة الناس ثم الضحك على الناس أن الجنة الأخروية للفقراء.
أقول: جنة الدنيا هي الطريق إلى الجنة الأخروية ومن حق الناس أن يعيشوا جنة الدنيا ويهنأون بالجنة في الآخرة.
قال مفكر
“الشعوب الراقية تعمل على بناء الجنة في حياتها، أما الشعوب الفاشلة فتلجأ لرجال الدين لإقناعهم بالجنة بعد وفاتهم فقط”.
من حق الناس أن تعيش جنة الحياة بكل جمالها، ويتمتعوا بها وبالقيم طريقًا لجنة موعودة بعد الموت.
يقول المفكر الإيراني عبدالكريم سروش
“نريد في البداية أن يكون الدين إنسانيًّا،
‏وبعد ذلك نطلب من الإنسان أن يكون متدينًا” 
هل تعلمون أن تسعين في المئة من القيود الدينية هي صناعة بشرية ليست من الدين في شيء، وكثير منها عبارة عن هلوسات فقهية لا دليل عليها؟ ولذلك تجدون مثل السيد فضل الله والسيد كمال الحيدري والشيخ محمد عبده وجمال الدين الافغاني والشيخ علي عبدالرازق إلخ انتفضوا على الموروث الديني وخرجوا من زنزانات التراث التقليدي غير العلمي القائم علي الخرافات.
أتحدى الجميع فقهيًّا وتاصيلًا وعقلًا بقيود فرضوها على الناس وليس عليها دليل.
لماذا تلزم المرأة بلباس أسود؟
أي دليل على نجاسة غير المسلم؟
ما هو دليل تخميس فقير معدوم ويقدم ماله لوكيل متخم باموال الفقراء؟
ما هو الدليل على ولاية الفقيه عند الشيعة أو عودة الخلافة عند السنة؟
ما هو الدليل على أن سماع صوت فيروز حرام؟
ما هو الدليل على حرمة الاختلاط بين الرجل والمرأة في الجامعة أو العمل إلخ؟
لهذا أنا مازلت أصر علي تطبيق قانون الأحوال الشخصية بشقه الجعفري كي نضمن حقوق المرأة، ولا يمكن القبول بمزاجية رجال الدين في الأحكام وملف المعلقات من نسائنا يجب أن يحل، فلا يمكن القبول لنساء معلقات ولسنين يقعن تحت رحمة أحكام هلامية.
نحتاج لتقنين قوانين واضحة للشق الجعفري لخروج هذا الكم من النساء المعذبات. الحضارة تعني تساوي حقوق الرجل والمراة كإنسانيين لا فضل للرجل على المراة في أي شيء.
يسألني الكثير عن سوريا في ظل حكم الرئيس أحمد الشرع فأقول:
ما حدث في إيران من فشل ذريع للحكم الديني، ولحماس في غزة وللإخوان في حكم مصر، والغنوشي في تونس والدعوة في العراق يجب أن لا تقع فيه سوريا الآن.
أقول أمام الحكم في سوريا طريقان: إما دولة حضارية علمانية تحترم الأديان والأقليات وتفصل بين الدين والسياسة، وتركز على رفاهية الناس سياسيًّا واجتماعيًّا وثقافيًّا مع دستور مدني لا ديني تفصل فيه السلطات، ويتم التجاوز عن الماضي مع ترسيخ محاكم عادلة لاي مجرم سابق في عهد الأسد مع حفظ الأقليات وتقوية العلاقات مع الجيران خصوصًا الخليج والعالم، مع تركيز فكر حداثوي في المناهج والخروج من سجن التاريخ أو الخيار الآخر من تحويل سوريا لحكم ديني، فإذا اتجهت الدولة للخيار الديني هنا ستعم الفوضى وستتمزق سوريا وسيبتلعها الأعداء من كل جهة وينتهى الحلم الواعد.
أنا قلت في الاتجاه المعاكس قبل 18 عامًا
حرفيًّا وموجود الفيديو على (السوشيال ميديا)
“أنا ضد الدولة الدينية، لأن الدولة الدينية ضد الإبداع وضد الإنسان وضد الحضارة”
للأسف نحن نعيش انفصامًا حادًّا في العالم الإسلامي
وأقول هنا:
بعض السنة يفرحون بحكم طالبان ويرفضون العيش في أفغانستان، وبعض الشيعة يفرحون بحكم ولاية الفقيه ويرفضون العيش في إيران وهؤلاء وهؤلاء يكرهون حكم العلمانية في أوروبا لكنهم يتمنون العيش فيها.
إنها الشوزفرينيا القاتلة والانفصام في العقل العربي، نحب الدولة الدينية ونلهث للعيش تحت الحكم العلماني.
نحتاج إلى وزارة بلدية لكنس الخرافة من العقل العربي والتناقضات؛ وكل ذلك لن يكون إلا بالتحرر من الماضي والتصالح مع العصر مع ترسيخ القيم الإنسانية الكونية وذلك يكون بقطع الكهرباء عن ثلاجة التاريخ.

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية