العدد 6003
السبت 22 مارس 2025
في ذكرى استشهاد الإمام علي بن أبي طالب
السبت 22 مارس 2025

لا ينكر أحد من المسلمين، سنتهم وشيعتهم، فضل ومكانة الإمام علي بن أبي طالب، رضي الله عنه وكرم الله وجهه، الذي تمر هذه الأيام ذكرى استشهاده في جريمة إرهابية استنكرها كل المسلمين، واجتمعت فيها كل أركان السوء والشر والجبن والغدر. ومن حيث التوقيت، ارتكب القاتل الإرهابي المجرم عبدالرحمن بن عمرو بن الملجم المرادي جريمته في وقت صلاة الصبح، وفي واحد من بيوت الرحمن (مسجد الكوفة) وفي شهر رمضان، شهر الطاعة والتقوى، الشهر الذي تتطهر فيه النفوس والقلوب وتلتقي على المحبة والتسامح.هذه الجريمة النكراء لطخت تاريخ الإسلام والمسلمين بوصمة العار والإرهاب التي ما زلنا نعاني من تبعاتها، وما زالت تعطي لأعدائنا المبرر لاتهامنا ووصفنا بالإرهابيين. هذه الجريمة بالذات برزت ضمن ثلاث جرائم إرهابية متشابهة ارتكبت في حق أعظم خلفاء وقادة المسلمين خلال النصف الأول من القرن الأول للتاريخ الهجري. الأولى حدثت بعد 12 عامًا من وفاة النبي محمد عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام، عندما اغتيل غدرًا الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، على يد المجرم الإرهابي أبي لؤلؤة فيروز المجوسي، الذي طعن الخليفة وقتله وهو يصلي في المسجد النبوي الشريف.
الثانية كانت الأكثر بشاعة وخساسة عندما قام حفنة من المجرمين الإرهابيين الذين كانوا يحاصرون منزل الخليفة الثالث عثمان بن عفان، رضي الله عنه، وتسللوا وتسلقوا المنزل وقتلوه طعنًا وهو جالس يقرأ القرآن الكريم، ثم تركوه جثة هامدة ترقد في بحر من الدماء لثلاثة أيام قبل أن يتم غسله ودفنه.ثم جاءت جريمة اغتيال الإمام علي كما ذكرنا، لتكون ثالثة الأثافي، ولتكتمل بها المناصب الإجرامية الثلاث التي انطلقت منها سلسلة من الجرائم الإرهابية التي ذهب ضحيتها عدد من أعظم وأكرم قادة وسادة وأئمة المسلمين، وعلى رأسهم الإمام الحسين بن علي، رضي الله عنه، الذي استشهد وكامل أفراد أسرته في موقعة كربلاء المأساوية.
في هذه الذكرى المؤلمة نعزي الأمة الإسلامية جمعاء في استشهاد إمام المسلمين، الشجاع البليغ المقدام علي بن أبي طالب، ونستمد من سيرته العطرة العزيمة والالتزام بقيم الأخوة والمودة وتعزيز أواصر القربى والتعاون بين مختلف أطياف المسلمين، ونستنهض العزائم والهمم لاستنكار وشجب كافة أنواع الجرائم والإرهاب، ونستعيد للذاكرة بعضا من المواقف والتضحيات والمنجزات التي حققها الإمام علي، والتي أدت إلى نصرة الإسلام وترسيخ قواعده.
ولقد اجتمعت الشجاعة والبلاغة في الإمام علي في الكثير من المواقف والمواقع، ولنقف عند واحدة منها اتفق على صحتها جميع المسلمين، حدثت عند فجر الإسلام في السنة الخامسة للهجرة في الغزوة التي عرفت بغزوة الخندق، عندما حاصرت جنود الأحزاب المدينة المنورة، ومنعهم من دخولها الخندق الذي حفره المسلمون حولها. ويروي الحادثة بالتفصيل المرحوم الشيخ محمد متولي الشعراوي بأسلوبه الشيق الجذاب نقلًا عن ابن إسحاق، أن قائد جيش الأحزاب كان عمرو بن عبد ود العامري القرشي، أشجع فرسان العرب وكان يعد بألف فارس. وجد وأربعة من فرسان قريش منطقة رخوة بمسافة ضيقة في الخندق، فقفزوا فوقها بخيلهم وواجهوا جنود المسلمين. وأخذ عمرو يطلب من يبارزه، فقام علي رضي الله عنه وهو مقنع بالحديد، فقال: أنا له يا نبي الله. فقال له: “اجلس إنه عمرو”. ثم كرر عمرو النداء، وجعل يؤنبهم ويقول: أين جنتكم التي تزعمون أن من قتل منكم دخلها؟ أفلا تبرزون لي رجلا. فقام علي فقال: أنا يا رسول الله. فقال: “اجلس إنه عمرو”. ثم نادى الثالثة وقال: ولقد بححت من النداء  
بجمعكم هل من مبارز  
ووقفت إذ جبن المشجع  
وقفة الرجل المناجز  
وكذاك أني لم أزل  
متسرعا قبل الهزاهز  
إن الشجاعة في الفتى  
والجود من خير الغرائز  

فقام علي رضي الله عنه، فقال: أنا له يا رسول الله. فقال: “إنه عمرو”. فقال: وإن كان عمرا، فأذن له رسول الله عليه الصلاة والسلام، فمشى إليه علي وهو يقول:

لا تعجلن فقد أتاك  
مجيب صوتك غير عاجز  
ذو نية وبصيرة  
والصدق منجي كل فائز  
إني لأرجو أن أقيم  
عليك نائحة الجنائز  
من ضربة نجلاء يبقى  
ذكرها عند الهزاهز  

فقال عمرو: من أنت؟ قال: أنا علي. قال: ابن عبد مناف؟ قال: أنا علي بن أبي طالب، ابن عم رسول الله. فقال: غيرك يا ابن أخي، والله إن أباك كان لي صديقا وإني أكره أن أقتلك. ما خشي عليك ابن عمك حين بعثك إلي، إن اختطفتك برمحي هذا فأتركك بين السماء والأرض لا حيا ولا ميتا؟ فقال علي: قد علم ابن عمي أنك إن قتلتني دخلت الجنة وأنت في النار.
فحمي عمرو عند ذلك، فاقتـحـــــــــم عن فرســــــه، فعقـــــره، وضرب وجهـــــه، ثم أقبل على علي، فتناولا وتجاولا، فقتله علي، وخرجـــت خيلهم منهزمـــــــــــة حتى اقتحمــــــــت من الخنـــــدق هاربة. فسمــــــــع رسول الله عليه الصلاة والسلام صوت علي يصرخ بالتكبير، فعــرف أن عمرًا قد قتل. وقال علي في ذلك:
نصر الحجارة من سفاهة رأيه  
ونصرت دين محمد بضراب  
فصددت حين تركته متجدلا  
كالجذع بين دكادك ورواب  
وعففت عن أثوابه ولو انني  
كنت المقطر بزني أثوابي  
لا تحسبن الله خاذل دينه  
ونبيه يا معشر الأحزاب  

وقال ابن تيمية في “مجموع الفتاوى” عند كلامه عن غزوة الخندق: “حيث قتل علي بن أبي طالب رضي الله عنه فيها عمرو بن عبد ود العامري، لما اقتحم الخندق هو ونفر قليل من المشركين” انتهى.  
وقال ابن القيم في “زاد المعاد” (3 /‏‏ 243) في كلامه عن غزوة الخندق: “وأقام المشركون محاصرين رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرا، ولم يكن بينهم قتال لأجل ما حال الله به من الخندق بينهم وبين المسلمين، إلا أن فوارس من قريش منهم عمرو بن عبد ود، وجماعة معه أقبلوا نحو الخندق، فلما وقفوا عليه قالوا: إن هذه مكيدة ما كانت العرب تعرفها، ثم تيمموا مكانا ضيقا من الخندق، فاقتحموه، وجالت بهم خيلهم في السبخة بين الخندق وسلع، ودعوا إلى البراز، فانتدب لعمرو علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فبارزه، فقتله الله على يديه، وكان من شجعان المشركين وأبطالهم، وانهزم الباقون إلى أصحابهم” انتهى.
رحم الله الإمام عليًا أمير المؤمنين وسيد الوصيين وقائد الغر المحجلين، ورحم الله أبناءه الأئمة المعصومين، ورحم الله خلفاء رسول رب العالمين أبا بكر وعمر وعثمان، ورحم الله زوجات الرسول الأعظم، لا سيما ابنة الصديق الطاهرة المطهرة عائشة أم المؤمنين، وجمع الله المسلمين ووحد كلمتهم وصفوفهم وهداهم إلى الصراط المستقيم، إنه سميع مجيب، ورمضان كريم.

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية