يُقدّر ما وقعه الرئيس الأميركي الجمهوري دونالد ترامب من أوامر تنفيذية في أقل من 50 يومًا من توليه الرئاسة بما يقرب من 100 قرار، معظمها بالغة الخطورة، وهو رقم يعادل ما أصدره سلفه الديمقراطي جو بايدن في عام واحد، لا بل لم يسبق لرئيس سابق أن اتخذ منذ 1937 مثل هذا الحجم وبتلك السرعة الفائقة، حسب السجل الفيدرالي الأميركي. وثلث تلك الأوامر مدفوعة بروح انتقامية من سلفه بايدن، سيما أن الأخير وقع أوامر تنفيذية تلغي قرارات اتخذها ترامب خلال ولايته الأولى، وإن تكن أقل منه بكثير.
وتتصل معظم تلك الأوامر برفع الرسوم الجمركية عن كندا والمكسيك والصين، وإدارة الظهر لما أقره علماء غربيون ومؤتمرات دولية عن البيئة بالحاجة للطاقة البديلة للتقليل من مخاطر الوقود الأحفوري الذي أعلن تمسكه به، وقرارات أخرى تعصف بحقوق المهاجرين بطردهم على الفور من الولايات المتحدة، والانسحاب من منظمة الصحة، وتسريح عشرات الآلاف من موظفي وكالة التنمية ووزارات الخدمة، بموازاة مشروع تقدم به جمهوريون في الكونجرس للانسحاب من الأمم المتحدة برمتها، ناهيك عن عشرات القرارات الأخرى التي لا تقل خطورةً عن المتقدم ذكرها. ولننحِ جانبًا مسألة السماح له بالترشح وهو ملاحق قضائيًّا بعشرات القضايا، ومنحه حصانة عنها إذا ما انتخب وفاز، فإن السؤال الذي يفرض نفسه هنا: كيف لرئيس منتخب في دولة من أعرق الديمقراطيات العالمية أن يمتلك كل تلك السلطات الواسعة جدًّا التي لا تختلف عن عتاة حكام الدول المستبدة غير الديمقراطية؟
إن غياب مبدأ الفصل بين السلطات، ما بين السلطتين التنفيذية والقضائية، بات مطروحًا اليوم أكثر من أي وقت مضى، منها ما أعلنه قاضي المحكمة الجزئية مؤخرًا بأن قرار إلغاء المساعدات المستحقة لشركاء الولايات المتحدة بموجب برامج الوكالة الأميركية للتنمية ينتهك ذلك المبدأ.
وأنه يتوجب على الخارجية الأميركية دفع ملياري دولار لشركائها الإنسانيين، لكن فيما السلطة التنفيذية ممثلة في ترامب وإدارته تمضي بسرعة صاروخية في تنفيذ قراراتها الإشكالية منتهكة مبدأ فصل السلطات، فإن أحكام السلطة القضائية لإلزام السلطة التنفيذية بتصحيح ما انتهكته لمبدأ فصل السلطات يأخذ وقتاً أطول.
وإذا كان الحال كذلك قضائيًّا بدون آليات فورية لتنفيذ أحكامه فيما يتعلق بقرارات ترامب الداخلية، فلك أن تتخيل الحال فيما يتعلق منها بالخارج، كخطته لامتلاك كل من قناة بنما، وجزيرة غرينلاند الدانمركية ذات الحكم الذاتي، وجعل كندا ولاية أميركية، بل ما بالنا بقراراته المتهورة بتهجير سكان قطاع غزة إلى مصر والأردن التي هي خارج اهتمام القضاء الأميركي، دع عنك تراجعه عن قراره الذي كان منفذًا خلال ولايته الأولى الذي يقضي بالسماح للعراق باستيراد الكهرباء من إيران، ما يعرّض الشعب العراقي لكارثة حقيقية الصيف المقبل، أما إقدام سلطات الاحتلال على قطع الكهرباء عن قطاع غزة في ظل كارثتهم الشنيعة الحالية؛ جراء حرب الإبادة التي شنتها على القطاع، فهو لا يعني ترامب البتة ما لم يكن صمته يعني مرحبًا به. والحال أنه ليس من بديل أمام العرب لمواجهة قرارات ترامب الماسة بمصالحهم وحقوقهم سوى مواجهتها بموقف موحد ذي آليات جادة حازمة بعيدًا عن العبارات الإنشائية.
كاتب بحريني