تلعب تجمعات المجالس التي يتداول فيها الناس مختلف شؤون حياتهم بقضاياها ومصالحها وهمومها وشجونها وفرصها وتحدياتها أدوارًا اجتماعية وتثقيفية وتربوية وأدبية و.. إلخ مؤثرة بعد أنْ أصبحت “مركزًا إعلاميًّا” يُعَرِّف بأحوالهم المُتغايرة وموروثًا اجتماعيًّا يفيض بأخلاقهم الفاضلة التي نهلوا من ثراء ثوابتها في صنوف التعاون والتكاتف والترابط والتواصل من أجل تنشئة الأجيال المسؤولة وتعميق الثقافة السليمة ومواجهة الظواهر الدخيلة بما تُشكله من “خطّ دفاعي وقائي” يُعزّز الثوابت الوطنية الهادفة ويُحقق الرفاهية المرجوة في صورة طابع تراثي وحراك مجتمعي يعمل كـ (منصّة) لعرض الموضوعات المختلفة ومناقشتها بما يُرسّخ روح المسؤولية الأكيدة والشراكة الريادية في تلبية التّطلعات واستباق المبادرات التي ينصهر جميع أبنائها في بوتقة الوطن والمصير الواحد.
والمجالس الرمضانية البحرينية كانت جزءًا من تلك التجمعات التي لعبت دورها التثقيفي في متنوع المسائل الدينية المتعلقة بالقرآن الكريم وتفسيرات علومه المختلفة، فضلًا عن النقاشات والآراء والأفكار والطروحات والحوارات التي تدور بين النخب الدينية والاجتماعية والاقتصادية حول مختلف القضايا ومستجدات الوقائع ومتغيرات الأحداث البارزة محليًّا وإقليميًّا وعالميًّا، حيث كانت هذه التّجمعات تتخذ على أطراف “السِّيف” و”السَاب”، وداخل جدران “البرايح” و”البنقلات”، وبين سعف “العِرشان” و”الصنادق” منتدى ملتقياتها قبل انتقالها إلى داخل البيوت “الجصّية” والمجالس المتعارفة في وقتنا الحاضر.
نافلة:
في أحدث دراسة لهما، أكدت جامعتا الأزهر الشريف والملك سعود مؤخرًا أنّ قراءة سور وآيات القرآن الكريم – على اعتباره كتاب الخالق المتعال الذي أُنزل على رسولنا الكريم (ص) بمرجعيته الدينية الوافرة وعطائه الثقافي الفسيح لكافة أرجاء المعمورة – يمنحك إلهامًا روحيًّا فريدًا يجلب لك سكينة وهدوءًا للنفس وسلامًا داخليًّا خالصًا يخفف مستويات التوتر والقلق، ما يقودك إلى الشعور بالسعادة والرضا الذي يتجلّى بتأثيره الإيجابي على الصحة النفسية وانخفاض مستويات الاضطراب وزيادة معدلات الإدراك في محيط مجتمعاتنا العربية والإسلامية. هذا الكتاب العظيم الذي تتزين به مجالس القرى والمدن البحرينية المختلفة في أيام وليالي الشهر الكريم وغيرها من أوقات السنة ويُسهم في تقوية النفس وتغذية الروح وتعزيز العقل وسط أجواء يحوطها الهدوء والسكينة وتحقيق التواؤم والانسجام؛ فإنّه وفق ذلك يستوجب “حكم” الاستماع إليه و”أدب” الإنصات له (كما ورد في الآية 20 بسورة الأعراف) دون انشغال أو تشاغل بعيدًا عمّا يحصل – مثالًا - في الأسواق التي يصيح أهلها بالنداء والبيع أو في المجالس التي يتشابك مرتادوها بالمُناكفة والجدال؛ ما استدعى علماء الإسلام المتأخرين تحريم قراءة أقدس كُتُب الأرض حين يكون في فضاءِ مآثمِ اللّغو التي “يُهَانُ” فيها دون اكتراث!.
كاتب وأكاديمي بحريني