أجمع أهل العلم قاطبة على أهمية الصيام – سواء كان صيامًا مفروضًا أو واجبًا أو تطوّعًا - الدينية والدنيوية منذ تشريعه حكمًا وتوقيتًا في السنة الهجرية الثانية كركن رابع من أعمال الجوارح التي بُنيَ عليها ديننا الحنيف بعد الشهادتين وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، ويليه الحج، والذي يمتنع فيه العبد عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس على مسار تقوية الإرادة وتثبيت العزيمة بامتلاك زمام ذوات النفس وبوصلة صواحب الإرشاد نحو الوجهة الصالحة في كبحهم جماح الأهواء المهلكة دون خيانة للأمانة أو تعرّض للأعراض على منهاج ثابت من المساواة بين الغني والفقير اللذين يصومان - على الرغم من اختلاف الأمكنة وتباعد الأزمنة - في نفس الفترة ولذات المدّة؛ بما يُدلّل على وحدة العقيدة الحقّة ومتانة قوّتها وصلابة قدرتها في جمع العباد.
منافعه الروحية كواحدة من العبادات العميقة، تسعى حثيثًا إلى تطهير النفس وتعزيز التقوى ومراقبة الخالق المتعال - في السّر والعلن - واتباع أوامره بشكر الأنعم الوافرة واجتناب نواهيه بكسر المعاني الغافلة في دقة تماثلها مع فوائده الجسدية التي يكون أثرها على تحسين الصحة العامة وفاعلية الأوعية الدموية وتقليل الكوليسترول وخفض الدهون الثلاثية وتجنيب السكتات القلبية وزيادة حرق الدهون في مسعى الحفاظ على الوزن الصحي وتعزيز وظائف الدماغ بتحسين التركيز والذاكرة، علاوة على تحصين الجهاز الهضمي بـ (فترات الراحة) وتقليل مشكلات عصر الهضم وانتفاخات البطن التي يمنحها الصيام، إلى جانب ما أكدته آخر الدراسات في “تصديه” لضغوط الحياة النفسية و”دَحره” أوجه القلق المتواترة عن الصائمين.
نافلة:
يحلّ شهر رمضان الكريم ببرکاته الزاخرة وطلائعه السامية في أجواء “رياضة” مُفترضة بالصيام وتأثير الجوع والعطش، وهو الذي كان يعدّ فيه رسول الإسلام (ص) العباد المؤمنين للولوج إليه بتأمل خلال أيامه وتدبّر أثناء لياليه على مختلف ساحاته الروحية والنفسية الفسيحة، يدعوهم إلى اقتناص نصيبهم من ضیافة جبّار السماوات والأرض وسط فضاء الفرص النفيسة التي تقيهم شرور الغفلة الدنيوية ومُوبِقات الانهماك المادي حتى يتبوأ في أبهى صوره وأسمى أعماله بمكتسبات الورع عن محارمه العفيفة ومحيط الأنس والضياء مع القرآن المقدّس والصلوات المكتوبة والنوافل المُخيرّة والأدعية المأثورة والأذكار المُوجبة والأسحار اليومية إلى حيث تُحفظ الجارحة ويُصان الوجدان بعيدًا عن وحشة “مقابر” المعاصي ومُلوثات القلوب وغرائز الشهوات وظُلُمات القبائح وزُلل المحارم وبذاءات الألسن و”فِتَن” الأبصار و”غِيْبَة” الخلائق إلى مطافٍ تقُلّ فيه جرائم النفوس الشريرة وتزداد عنده فضائل الأفئدة الخيّرة في ساحة العزة الإلهیة المعشوقة.
كاتب وأكاديمي بحريني