العدد 5982
السبت 01 مارس 2025
حركات التحرر لا تنتصر بالمكابرة
السبت 01 مارس 2025

يوم الاثنين الماضي نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية - واحدة من أعرق وأكبر الصحف الأميركية - حواراً أجرته مع "موسى أبومرزوق" (عضو المكتب السياسي ومسؤول العلاقات الخارجية لحماس)، وأهم ما جاء فيه أنه لم يكن ليؤيد هجوم السابع من أكتوبر لو كان يتنبأ مقدماً بما ستقدم عليه إسرائيل من حرب إبادة شاملة. ومن المسلّم به أن تلك الإبادة أفضت إلى الكارثة التي حلت بسكان قطاع غزة واجتثاث القطاع بأكمله تقريبا، وقتل عشرات الآلاف جلهم من الأطفال والنساء، وتدمير كل أسباب الحياة الإنسانية للعيش فيه سكنا وغذاء وعلاجا، فضلاً عن تهجير نحو مليوني فلسطيني من سكانه في العراء بلا مأوى، ودون سماح سلطات الاحتلال بالحد الأدنى من إغاثتهم غذائياً وعلاجياً. وفور تصريحات أبومرزوق بادرت قيادة حماس - التي يسيطر عليها الصقور والجناح العسكري - إلى نفيها برد متناقض يتضمن في جزئية منه أن التصريحات "لا تمثل موقف الحركة المتمسكة بسلاحها، وتعد هجوم السابع من أكتوبر على إسرائيل نقطة فارقة في تاريخ كل الشعوب المحتلة"! أي بمعنى إنما تمثل التصريحات صاحبها، فيما في جزئية أخرى تتحدث بالنيابة عنه: أن "التصريحات غير صحيحة، وتم اجتزاؤها من سياقها..."! جرى ذلك دون أن نسمع من الرجل ردا شافياً قاطعاً لما قاله وما لم يقله بالضبط، مؤثراً كما يبدو تجنيب حركته التصدع في هذا الظرف بالغ الحساسية والدقة الذي تمر به حركته وشعبه وغير المسبوق تاريخياً.

والحال أن رد حماس لا يعني سوى القول إنها تعلم مقدماً أن إسرائيل ستشن حرب إبادة جماعية كارثية على القطاع بكل أهوالها الموصوفة، والتي سيظل شعبها - كما نعلم - يدفع فواتيرها طويلاً.

وصقور حماس بذلك يكذبون على أنفسهم قبل أن يكذبوا على حركتهم وشعبهم والعالم، إن هم أصروا على المكابرة بسردية "النصر" المفضوحة التي لا ينفعها التحشيد الإعلامي، ولا الخطب والتصريحات الثورية الجوفاء، أو استعراضات القوة بشعارات يافطاتها التي تقدم عليها أمام أسراها الإسرائيليين على منصة قبيل تسليمهم الصليب الأحمر، وهو ما لم تكن تفعله في أول دفعة تبادل أسرى في نوفمبر 2023. إن كل ذلك لا يجدي نفعاً عن النقد الذاتي الشجاع أمام قواعد حركتها وأنصارها وأمام الملأ، وهذا بالضبط ما يجب أن يفهمه صقور الحركة وجناحها العسكري، ذلك أن نهج المكابرة لا يخلق نصراً، ولا يصحح مسار أية حركة تحرر وطني مشروعة في العالم، بل يؤدي في نهاية المطاف إلى عزلتها وتضعضعها عاجلاً أم آجلاً، لا بل يزيد من تعقيد قضية شعبها أضعافاً مضاعفة، مهما كانت عدالتها التاريخية والدولية المشروعة. وما ينطبق على مغامرة حماس ينسحب تماماً على مغامرة حليفها "حزب الله" تحت شعار "وحدة الساحات" والتي انتهت هي الأخرى بكارثة مدوية على شعبه غير مسبوقة تاريخياً أيضاً، في حين مازال هو الآخر يكابر دون الاعتراف بها!.

كاتب بحريني            

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .