العدد 5980
الخميس 27 فبراير 2025
banner
أم كلثوم وسنوات المجهود الحربي 
الخميس 27 فبراير 2025

في عام 2022 صدرت الطبعة الأولى من كتاب " أم كلثوم و سنوات المجهود الحربي"  للشاب المصري كريم جمال ( مواليد 1992) عن دار "تنمية" القاهرية، ويتناول مؤلفه بين دفتيه، بشكل مفصل وتوثيقي مُسهب للغاية،  النشاط والجُهد العظيمين اللذين بذلتهما الست لدعم المجهود الحربي لوطنها الذي كان يعيش في فترة حالكة من اليأس والأحباط في أعقاب كارثة هزيمة يونيو 1967. والكتاب الذي بين أيدينا ثري  بالمعلومات التفصيلية المهمة التي توثق فترةً من أنبل الفترات في مسيرة كوكب الشرق السياسية والغنائية، وعلى الخصوص تلك المستند منها إلى الصحافة المصرية الصادرة في الفترة التي قامت بأنشطتها الفنية لدعم المجهود الحربي ( 1967- 1972) .و تربو صفحاته على ال 600 صفحة، تتصدره مقدمة ضافية مكثفة بعنوان" بين الفن والسياسة علاقة لا تنفصم" للباحث و الناقد الموسيقي الكبير فيكتور سحاب( فلسطيني الأصل). كما اشتمل الكتاب أيضاً على مقدمة قصيرة للمؤلف وسبعة عشر فصلاً يسرد المؤلف في معظمها تفاصيل رحلاتها إلى المحافظات المصرية التي أقامت فيها حفلات غنائية التي خُصص ريعها لذلك المجهود، وكذلك رحلاتها الخارجية لعدد من الدول العربية ( السودان والمغرب والكويت ولبنان و تونس وليبيا و الإمارات)للغرض نفسه، فضلاً عن رحلتيها لباريس وموسكو.وهذا الكتاب هو الأول من نوعه الذي يوثق ما قامت به السيدة كوكب الشرق من أنشطة جبارة لدعم ذلك المجهود الحربي، بدءاً من أغسطس 1967، أي بُعيد حرب نكسة 1967، حتى سبتمبر 1972، أي قبل عام من حرب أكتوبر 1973،لكن  سرعان ما تكالبت عليها أمراض أفضت لوفاتها في 3 فبراير 1975. وغني عن القول أن ذلك الجهد الاستثنائي الذي قامت به لدعم المجهود الحربي لوطنها ساهم ريعه مساهمةً مهمة في دعم حرب الاستنزاف التي دامت ثلاث سنوات تقريباً، بقيادة الرئيس عبدالناصر ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي على الضفة الشرقية للقناة، و في التحضير أيضاً لحرب تحرير سيناء التي توفي عبد الناصر 1970 قبل أن يقودها، و شاءت الأقدار أن تكون بقيادة الرئيس أنور السادات في أكتوبر1973 ، لكن دون أن تنتهي بتحرير سيناء كاملةً، حيث تم تحريرها لا حقاً استناداً لاتفاقية الصلح التي وقعها السادات 1979 .
و لا يخفي المؤلف في الحوارات التلفزيونية التي أُجريت معه بعد صدور كتابه بأنه "كلثومي الهوى" وأنه عاشق لفنها، ولا شك بأن يكون شاباً عاشقاً لغناء أم كلثوم لهي صفة نادرة بين أبناء جيله،لكن بحثه غلب عليه الطابع  الأحتفائي المتحيز بشدة لأم كلثوم، وغاب عنه أي تقييم موضوعي حيادي بهذا القدر أو ذاك لأنشطتها  الفنية والوقائع السياسية المرتبطة بها في تلك الفترة، ومن ثم فقد غلب على فصوله الطابع السردي الصحفي البحت المغرق جداً في تغطية تفاصيل زياراتها الداخلية والخارجية،في مقابل ضآلة الحيز التحليلي للمعلومات الغزيرة التي استعرضها. وإذ يُحسب للمؤلف صراحته في الإشارة إلى أبرز الأخطاء الجسيمة التي وقع فيها الرئيس عبد الناصر وأفضت للنكسة،  فإنه يُحسب عليه تغييب حد أدنى من الصراحة تجه الست تلك الصراحة؛ جراء جموح عاطفته الذي طغى عليه لافتتانه وإعجابه الشديد بها شخصيةً وفناً، سيما وهو يقر مدى العلاقة الوثيقة جداً التي كانت تربطها بالرئيس عبد الناصر وبأن الحزن استبد بها بشدة إثر وفاته. ولا تقتصر أهمية الزيارات التي قامت بها للأقطار العربية في عوائدها التي جاءت بمئات الآلاف من الجنيهات الاسترلينية لدعم المجهود الحربي فحسب، بل كان لبعضها مردود سياسي في ترطيب أجواء العلاقات حينذاك مع بعض تلك الأقطار، جراء تأثير الحرب الباردة السائدة بينها وبين مصر الناصرية في تلك الفترة. والكتاب يُعد إلى ذلك مرجعاً فنياً مهماً للباحثين المهتمين بتأريخ التراث الموسيقي الغنائي وللباحثين السياسيين يضاً، ذلك بأنه يميط اللثام عن  الكثير من الوقائع والمواقف السياسية المهمة التي  غيبها الزمن الطويل في صفحات الصحف، والتي قد تكون مجهولة اليوم للكثيرين. سواء على الصعيد الفني أم على الصعيد السياسي.وهو إلى ذلك مهم للحركة النسائية المصرية بوجه خاص والحركات النسائية العربية بوجه عام، إذ يتناول ما قامت به الست من دور ريادي لشحذ همم الحركة النسائية المصرية واستنهاض دورها في دعم المجهود، متناولاً بالتفصيل ما قامت به من أنشطة في هذا الصدد بزعامتها لتحريك المنظمات والمؤسسات النسائية، حيث تبدت أم كلثوم كما لو كانت رائدة نسائية ذات خبرة عريقة في العمل الخيري النسائي لا يشق لها في ذلك غبار  .

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .