يبدو أن عصر الفلسفة والفلاسفة انتهى أو أن الفلسفة أصبحت تسير مثل السلحفاة ولم يعد هناك جديد، فقد ولت الرحلة الإبداعية الخالصة للفلسفة وارتفعت رايتها البيضاء باستشهادها، وكما يقال الشمس لا تشرق في اليوم مرتين.
العالم يثير دائما المشكلات المتزايدة والمتعاظمة التي تحمل الإنسان على التفلسف باستمرار، فالإنسان مخلوق يمتاز بأنه ذو فكر، فلا مفر من الفلسفة كما يقول “كارل يسبرز”، وفي عصرنا الراهن حيث تتنامى العلوم المختلفة باستمرار وتتطور وما يرتبط بتقدمها من تقدم تقني يشمل كل مظاهر حياتنا ويطبعها بطابعه نجد السؤال عن قيمة الفلسفة التي لم تستطع حتى الآن أن تقدم نتائج قاطعة أمام اليقين الذي تتميز به العلوم، فالفلاسفة لا يزالون متناحرين، فلا إجماع على معرفة حاسمة، فكما تناحر وتعارك سابقا الفلاسفة الوجوديون الملحدون والمؤمنون، وتضارب أنصار أفلاطون وأرسطو، وديكارت مع ديفيد هيوم، ونعوم تشومسكي مع ميشيل فوكو، نجد اليوم أن العصبية أقوى من ذي قبل، وكل فيلسوف له أنصار وأحلاف ونعرات، وأننا دخلنا عصر معارك جديدة كمعركة هاري فرانكفورت، وريتشر دروتي فيما يتعلق بما بعد الحقيقة، وعربيا معركة جورج طرابيشي مع محمد عابد الجابري عن نقد العقل العربي وغيرها من المعارك التي دارت رحاها في مضمار الفكر الفلسفي ووصفها البعض بالفوضى الفكرية.
عندما درسنا الفلسفة في الثانوية العامة، وأتحدث عن أبناء جيلي فترة الثمانينيات حفظنا الكثير من الأقاويل ورددناها مثل الببغاء مندهشين بل ومعجبين في محاولة لاكتشاف قوانين الصراع الإنساني ودخلنا في أنساق التأملات “كنت معجبا بجان بول سارتر”، لكن مع الوقت اكتشفنا أننا أمام إيمان بنظرة أحادية وهذه هي الزوبعة التي تخلقها الفلسفة وراءها.