أغبى شيء سمعته في حياتي دعوة البعض لإغلاق المكتبات العامة أو تقنينها على اعتبار أن الإنترنت والكتب الإلكترونية سحبت البساط نهائيا من المكتبات العامة وجعلتها مقيدة بقانون هذا العصر الذي اختزل المعرفة والعلم والحضارة في “فلاش ميموري” وتحول الكتاب الورقي إلى دميم الخلقة.
ارجعوا إلى تاريخكم.. لقد ظل العرب يحتلون مكان الطليعة في الطب طيلة خمسة قرون، ومن أشهرهم في هذا الميدان أبوبكر محمد الرازي، والذي كان الطبيب الرئيسي في مستشفى بغداد، وتعود له اكتشافات قيمة في الجراحة، كما أنه واضع الموسوعة الطبية، ومثل هذه النجاحات التي أحرزها العلماء العرب في مختلف العلوم والآداب والفنون لم تكن وليدة الصدفة، ولم يكن لها أن تبلغ هذا الشأن لولا وجود أعداد هائلة من دور العلم والمكتبات التي كانت تزخر بها مدن الشرق.
وليس هناك وجه للغرابة إذا كان في بغداد وحدها في عهد العباسيين أكثر من 19 مكتبة عامة دون المكتبات الخاصة للاستعمال الفردي، مثل دار العلوم ودار الحكمة ودار المسناة وغيرها، كما ضمت قرطبة ما لا يقل عن سبعين مكتبة، على أننا يجب أن نشير إلى أن بغداد وقرطبة ما كانتا فريدتين من نوعهما باحتوائهما مثل هذه المكتبات الكثيرة ودور العلم، ذلك أن أكثر مدن الامبراطورية العربية الأخرى مثل القاهرة وفاس والقيروان وغيرها كانت تحوي وتضم جانبا كبيراً من هذه المؤسسات العلمية التي كانت مفخرة للعرب.
لسنا ضد التطور ومسايرة العصر، لكننا ضد دعوات التخلف والتلف الفكري وضروب المصائب والنكبات، ونسيان الأبناء ما ابتكره الآباء، وإن كان الأمر يتعلق بالمقارنة بين “المقاهي أو الكوفي شوبات” المتناثرة في كل زاوية بالمحافظات والتي تكثر فيها الثرثرة وشرب القهوة، وبين المكتبات العامة، فقل علينا السلام.