العدد 5835
السبت 05 أكتوبر 2024
كلماتٌ بلا مفعول!
السبت 05 أكتوبر 2024

قد تسرد في قوائم لا نهاية لها، منها مثالًا لا حصرًا “سندرسها” و “سنبحثها” و “سنجتمع لأجلها” و “سنخاطب بشأنها” و “سنتدبر أمرها” و “سنتخذ إجراء ضدها” و “أمرها بسيط” و “حلها قريب”، وهكذا دواليك، فما أهون على مطلقها الذي تريحه عن بذل المجهود وتجنب الالتزام بالتنفيذ، فتنسخ بعضها نسخًا محكمًا وتكرر ذاتها تكرارًا مملًا، فلا هي تحظى بموافقة السواد الأعظم من الناس، ولا هي متقبلة آذان سامعيها لثقلها وسماجة فحواها حين لا يبتغي لمطلقها – نصحًا له - بذل أي جهد إضافي للبحث عن بديل ناجع لها. فهي تبدو للوهلة الأولى أن مطلِقِيها أناس فصحاء يمتلكون فنون التعبير وحرفية الخطابة حتى يتكشف أنهم لا يمتون للفصاحة أو البراعة بصلة؛ لعلة أنهم يرددون عبارات يجب قولها في ظروف معينة، وإذا ما اختلفت الظروف انقلبوا على أعقابهم، وإذا ما دعوتهم لإيجاد الحلول تملصوا بالذرائع وفقدوا صوابهم!

هنا تستحضر بقوة حادثة “العصافير الأربعة” التي كانت على غصن الشجرة، حين سأل فيها المحاضر متعلميه: إذا كان هناك أربعة عصافير على الشجرة، وقرر ثلاثة منها الطيران، فكم عصفورًا بقي على الشجرة؟ ليجيب الجميع: “واحد”، باستثناء زميلهم الذي غايرهم بقوله: بقي أربعة عصافير. فكان الانبهار! فسأله المحاضر: وكيف ذلك؟ فقال المتعلم: لقد قلت “قرروا”، ولم تقل “طاروا”، واتخاذ القرار لا يعني بالضرورة تنفيذه. وكانت هي الإجابة الصحيحة التي فرقت بين القول والفعل، وبين أن تقرر شيئا وأن تفعل شيئا آخر بعيدًا عن الشعارات الزائفة والكلمات الرنانة التي جعلت من أصحابها نجومًا ورقيين، يتجافون ترسيخ النجاح وأهميته باتخاذ القرارات التشاركية مع المجموع من الناس الذي يشكل العامل الرئيس في الإدارة الصائبة، والنجاح في اختيار البدائل السليمة وجني الفوائد الرابحة في نهاية المطاف.

نافلة:

الكثير من الاحتياجات والمتطلبات – ولاسيما المعيشية الملحة من حولنا – تستدعي الحاجة إلى حلول جذرية تنفذها. “

وإلى أيادٍ مهنية تصونها بعد أن تقتطع من وقتها دراسة الوضع القائم برمته، ومن ثم تخطط وتفصل الحلول الشافية لاختيار الأفضل منها وسط أجواء من المهنية العالية والقيادة الجماعية والتشبيك الثابت والعمل الدؤوب الذي يكسب الثقة ويصل إلى حل المشكلة من لبها بعيدًا عن الخطابات النارية والشعارات الرنانة التي بات مكانها الرف وعهدها الذي ولى إلى غير رجعة جراء هزيمة منكرة لدعاة التصلب الفكري الذين يصدون أية أطروحة نافعة أو ينكرون أية آلية جديدة لنمو مجتمعاتهم وازدهارها.

 

*كاتب وأكاديمي بحريني

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية