ذات مساء، كانا يُمضيان وقتهما في التجوال بإحدى الحدائق، وشاهدا أثناء تجوالهما رجلاً عجوزاً يركن في إحدى زوايا الحديقة وتبدو عليه آثار الضيق والحزن، فسألاه عن سبب ضيقه وحزنه، فقال لهما بصوت كئيب: لقد كنتُ أتجوّل في الحديقة مثلكما، وكان فكري مشغولاً وبالي مهموماً، وما إنْ استفقت حتى وجدت نفسي تائهاً لا أعرف أين أنا ولا أستطيع الذهاب لأية جهة؟ فاستجمعت قواي بعدها لأطلب العون والمساعدة من أحد الأشخاص غير أنّه رفض مساعدتي وهمّ بالذهاب بعيدًا عني! فخشِيت أنْ أعيد الكرّة وأطلب المساعدة من آخرين. وجلستُ أسأل الخالق الرحيم أن يُرشدني كي يُخرجني مما أنا فيه، وما إن انتهيت من التوسل للربّ العظيم لأجل إرشادي وإخراجي من مأزقي هذا إلا وأنتم أمامي، واصطحباه للبيت بسلام وأمان.
بطبيعة الحال، ليس من المُحبذ أخلاقياً أو المستحسن إنسانياً جعل آبائنا وأُمهاتنا من كبار السنّ “خواصر رخوة” تتحكم بهم قساوة الأمكنة وتتلاعب فيهم تحولاّت الأزمنة - وهم وفق تعريف الأمم المتحدة مَنْ تجاوز عمرهم الزمني (60) عاماً – إلى حيث يفترض أنّهم يبقون أعضاء مهمين مؤثرين في أيّ تجمع بشري، ما يستوجب لهم أنْ يتمتعوا فيه بالعيش الكريم في حياتهم اللاحقة بما يمتلكوه من مهارات ومعارف وخبرات، وما يحتاجونه من مشاعر الانتماء الخالص والدعم العاطفي والرعاية التامة التي تُجنبهم العزلة وتقيهم الاكتئاب وتُمتعهم بالصحة التامة وتهبهم الاستقلالية الاقتصادية وتمنحهم التقدير الجليل وتُعزّز فيهم الرفاهية العاطفية من خلال تقاسم رعايتهم وتفهم حاجاتهم وتكرار زيارتهم واللجوء لخبراتهم التي تمنحهم الطمأنينة وتُجنبهم العزلة والشعور بالكآبة التي كثيراً ما تُغلّفها “الحُرمة الاجتماعية” مع الشعور باقتراب الأجل وسط أجواء الحياة بين الأجيال الجديدة.
نافلة:
نقترب بفارق يومين (الثلاثاء المقبل) من الاحتفالية الأممية التي خصصتها المنظمة الدولية للاحتفاء بتكريم كبار السنّ في 1 أكتوبر من كل عام، والذي سبقها إليها نور الإسلام مُوصياً عليهم في كثير من محكم سوره وتبيان آياته.
ففي هذا اليوم تُسلط الأضواء لأهميته الاجتماعية والأخلاقية وتُعمّق المساعي ويزيد الوعي ويتعاظم الحثّ على تلبية احتياجاتهم الصحية والعقلية والاجتماعية والخدمية الأخرى. وكم هو حرّيٌ بنا - اقتضاباً - الإشارة للصور الحيّة في زُقاق القرى البحرينية وطُرُقات مدنها اللتان تجلّت فيهما مظاهر الرعاية الفائقة لهم من قِبَل اللجان التي تتشكل في مختلف الفعاليات المجتمعية والمناسبات الدينية عرفانًا واعتزازًا بإسهاماتهم التي أجزلوا فيها العطاء الطويل لبناء أوطانهم وأسهموا في ازدهارها.
كاتب وأكاديمي بحريني