لم يحظ التاريخ البشري بكتاب حفظ وقرئ كما القرآن الكريم الذي برزت أهميته في كونه كلام رب العالمين لهداية البشرية وإصلاحها في جميع مناحي حياتها. فقد حاز على المنزلة العظيمة في نفوس الأمم المؤمنة به ليعد عاملاً بارزاً في توحد مساعيهم من أجل تحقيق مصالح دينهم ودنياهم وإيقاظ بواعث الخير فيهم وتوجيه طاقاتهم التعبدية والأخلاقية، وتبيان مصائر الحق والضلال، وحماية المجتمع من الفتن والفواحش والآثام وإرشادهم إلى سنن الثبات التي تستقيم بها حياتهم على بقاع الأرض بالتمكين والاستخلاف والطمأنينة عبر وجوه التعظيم في ممارسات تعلمه وتعليمه وتلاوته آناء الليل وأطراف النهار وسط استحضار يفيض بالخشوع والتفكر والتدبر. حظي القرآن الكريم بالمكانة السامية كأساس للدِين وباب للإسلام ورحمة للإنسانية جمعاء بعدما أودع فيه رب العزة والجلالة الجم من الشرائع والعقائد والمبادئ والسلوكات والحقائق والوقائع، وهو الأمر الذي حدا فيه بعدئذ وفي حقبة معاصريه حفيد رسولنا الكريم (ص) الحسن العسكري (ع) الدفاع المستميت عنه في الحادثة المعروفة - التشاغل بالقرآن - التي تعرض فيها فيلسوف العرب البارز آنذاك يعقوب بن إسحاق الكندي للقرآن الكريم في أحد أعماله زاعماً تضمن الكتاب الرباني المقدس التناقضات أثناء تحليله النصوص القرآنية من منظوره العلمي والفلسفي! فما كان من الإمام العسكري (ع) إلا أن أدحض هذه الادعاءات في سوء فهمها، ودفع بتلك التسويفات بضعف تفسيرها بأن وجه أحد تلامذة الكندي نفسه لمؤانسته في داره ومقارعته بالحجج الواضحات فيما زعمه من تشاغل مزعوم؛ ليستجيب في نهاية الأمر برمي مؤلفه في النار وإحراقه.
نافلة:
حفيد رسول رب العالمين (ص) الحسن بن علي بن محمد (ع) الملقب بالعسكري نسبة لمنطقة “العسكر” بمدينة سامراء العراقية، والذي استشهد فيها ظلماً إثر سم نقيع في الثامن من ربيع الأول سنة 260هـ وصادفت ذكرى شهادته الأليمة (قبل يومين)، هو ذا صاحب المكانة السامية والمنزلة الرفعية.
في الوسط السامرائي الذي ترك بعدها إرثاً إسلامياً ضخماً ترجمته سلسلة الأحاديث ومتون التفاسير في متنوع مسائل الأخلاق وقضايا العقيدة، وما أوردته أمهات الكتب والروايات والمكاتبات، وما أسرده عنه القادة والكتاب والقضاة والفقهاء وسائر الناس في تلك الحقبة. السلام عليك أيها الإمام الصامت الهادي الرفيق الزكي النقي، يوم ولدت ويوم استشهدت ويوم تبعث حياً ورحمة منه وبركات.
* كاتب وأكاديمي بحريني