أشار ذُو العزّة والجلال بمحكم التنزيل في سورة التوبة إلى تقويم السنة القمرية وعدة شهورها الاثني عشر، وكان شهر صفر “النَاجِر” - إشارة لكثرة شرب الإبل الماء لشدة عطشها - يأتي تاليًا لشهر محرم الذي أرجعت تسميته بصفر – وفق معاجم اللغة – إلى صفير الريح الشديدة أو إلى ديار العرب المُصفرة (أي الخالية) من أهلها لخروجهم للقتال أو البحث عن الطعام أو الهروب من حرّ الصيف، وقيل إنّه شهر اصفرار الأشجار وامتِتار الناس (أي جمعهم) الطعام، كما أُطلق على مكة حين يُسافر أهلها فتبقى ديارها صِفرًا لا أحد فيها. وعلى مرّ التاريخ الإسلامي، شهد هذا الشهر القمري أحداثا كبرى، حيث كان الأول منه في سنة 61 هجرية دخول حُرم بيت النبوة سبايا الشام مع رؤوس الآل المُقطعات على الرماح في واقعة الطّف، وفي الثاني منه وصول أخبار الواقعة إلى المدينة في الرابع منه، فيما الخامس منه شهادة طفلة الحُسين البريئة رقية (ع)، وأمّا العشرون منه، فكان يوم تجدّد الأحزان على آل بيت النبوة التي تزامنت مع زيارة الصحابي الجليل جابر الأنصاري (رض) لقبر الحسين (ع) وعودة رأسه الشريف إلى جثمانه الطّاهر ورُجوع الحُرَم الطاهرين إلى أرض كربلاء بعد أحداث واقعتها التي جرت قبل أربعين يومًا (في العاشر من محرم الحرام) يتقدمهم الإمام زين العابدين (ع) وعمّته السيدة زينب (ع) برفقة الأطفال من أيتام الحسين (ع).

نافلة:
يوم غد الأحد، يُصادف السنة الرابعة والأربعين بعد الثلاثمئة والألف هجرية لذكرى أربعينية شهادة الإمام الحسين بن علي (ع) والثّلة المؤمنة من الأنصار والصحابة ممّن قَضوا ظُلمًا في مأساة كبرى لم تشهد لها الخليقة مثيلًا في قساوة الخصوم الذين لم يُراعوا حُرمة النسوة الخُدّر أو براءة الصغار العُزّل في كل وقائعها الأكثر جدلًا في التاريخ الإسلامي، فخلّفت آثارًا اجتماعية وفكرية ودينية بالغة التأثير بعدما تبلورت تفاصيلها في الثقافة الروحانية التي امتزجت بمعاني التضحية ومضامين الفداء.

في هذا اليوم من كلّ عام، تتجه البوصلة إلى أرض كربلاء، وسط أجواء الحزن والمناحة على السبط الشهيد لزيارة قبره والكوكبة من الشهداء حوله.

السلام عليكَ وعلى آبائك الطاهرين، السلام عليكَ وعلى أبنائكَ المُستشهدين، السلام عليكَ وعلى ذريتكَ الناصرين، والسلام عليكَ يوم وُلدتَ ويوم استُشهدتَ ويوم تُبعثُ حيّا.

كاتب وأكاديمي بحريني