ما عهدناه ديناً وعُرفاً، أنَ المقابر تذكير بالآخرة وموطن الاعتبار الجديرة بالحزن، فيما اتخاذها ملاعب رياضية وممارسة الهوايات على محيط أسوارِها؛ فإنه – حسب علماء الدين - يُورد القسوة في القلبِ والغفلة للفكر والانحسار عن واعظ الموت والقبور والمقبورين.

ما استُحضر في أمر المقابر، هو تعقيب علماء الدين بمنطقة في أحد البلدان العربية على جواز استغلال المقابر (القديمة) الموقوفة في مرافق عامة من عدمه بعد حادثة “مقاطعة” أهالي تلك المنطقة أراضيها المُستغلة لأنشطة خدمية عامة مثل مدرسة تعليمية ومركز صحي ومنتزه ترفيهي، حيث أورد – علماء تلك المنطقة - من ذلك أن أصل الوقف للبر، وهو أنفع للواقف حسبما أخرجه. وما عداه، هو جواز التصرف فيه والعدول عن شرط الواقف تغليبًا للمصلحة بدلًا من تعطيله وفق الحاجة إليه.

تنظيف المقابر وإزالة الحشائش الزائدة والشُجيرات الضارة منها، وصيانة مرافقها كالمصلى والمغتسل ودورات المياه وأسوارها وبواباتها ومصابيحها وتغطية قبورها المكشوفة، وتركيب كاميرات المراقبة فيها ومتابعة سير أعمالها عبر غُرف التحكم المُتخصصة وربطها بالحاسب الآلي لتسجيل بيانات المُتوفين المدفونين فيها، وتثبيت اللوحات الإرشادية الدالة إلى مواقع تلك المقابر على الطرق الرئيسية المؤدية إليها، بالإضافة إلى تقديم الخدمات المجانية في تغسيل الموتى ومواد التجهيز والمُغسِلين المؤهلين من الجنسين، وتوفير الأعداد الكافية من سيارات الطوارئ المُجهزة لنقل الموتى من المستشفيات إلى المقابر بالتنسيق مع الجهات المعنية.. يأتي ذلك مجتمعاً، من الأمور المجازة في مختلف البلدان العربية والإسلامية التي تحفظ للموتى حرمتهم دون أن يتعدى ذلك إلى مخالفة شرعية.

نافلة:
قانون رقم (51) لسنة 2018م المُعدل لبعض أحكام قانون التجارة البحريني، يُعد من القوانين الداعمة للمشاريع الحديثة التي أتاحت لإدارات الأوقاف والهيئات البلدية وتوابعهما الاستفادة منه في تحقيق المردود الاقتصادي من خلال استغلال جداريات المقابر في تفعيل الأنشطة التجارية والإعلانية المختلفة وتأجير المحال الملاصقة لها لتنشيط عمليات البيع والشراء كإقامة الأسواق الشعبية الأسبوعية والتوسع في مشاريع الصناعات التحويلية.

 مثل ورش النجارة والمفروشات واللحام وتشكيل الحديد المطاوع وتركيب الألمنيوم وصباغة وتنجيد وصيانة السيارات وتغيير إطاراتها وإصلاح الأجهزة الكهربائية المنزلية وتأجير معدات البناء والكهرباء والأدوات الصحية وتقطيع الرخام وغيره من المشاريع المستحدثة بعد إجراء عمليات التوسعة للمساحات المتاحة وإعادة هندستها بالأسوار التي تحمل التصاميم الموحدة للحفاظ على حرمتها وطابعها الديني دون تأثير على تخطيطها الفعلي الذي يُحدد مداخلها ومواقع الدفن والممرات الداخلية وانسيابيتها عند الدخول والخروج.

كاتب وأكاديمي بحريني