أستذكر سيدي القارئ أحد المواقف التي تأثرت بها وتعلمت منها، وأكاد أقول إنها كانت درسًا عمليًا يصعب أن يفارق الذاكرة مهما بلغ عمر هذه الذاكرة، ومهما حاول الزمن أن يمارس سطوته عليها. ربما أقدر أن أعيد شريط ذاك الموقف كما حدث لي، وأن أضع بين يديك سيدي القارئ هذه التجربة رغم بساطتها، والدرس الذي تعلمته منه، وأقصد هنا من الموقف رغم مرور زمن طويل عليه، أن أتحدث عن تجربة عشتها وأنا في نهاية المرحلة الابتدائية وبدايات الدراسة الإعدادية، وإليك الموقف:
كنت في الإجازة الصيفية حينذاك أشتغل مساعد بناء. وكان “الأستاذ” أي المهندس، يوصي عماله بإعطائي عملًا مناسبًا لسني ومقدرتي الجسدية، إلا أن أحدهم لم يعمل بتلك التوصية كما يبدو في ذلك اليوم، فقد قام بمعاملتي كبقية العاملين حيث قام بملء “الليّان”، وهو الاسم للماعون أو الإناء الذي يوضع فيه الأسمنت ويحمله العامل (الكولي) إلى الأستاذ.
قام ذاك العامل بزيادة الأسمنت في “الليّان”، وحاولت حمله ولكنني لم أستطع، فسقطت على الأرض مع “الليّان”. غضب الأستاذ مني كثيرًا، وطلب مني عدم الحضور إلى العمل، أي إقالتي من وظيفتي، دون أن يسأل عن سبب ما حدث. السبب الرئيس الذي ذكره الأستاذ لإقالتي هو عدم قدرتي الجسدية على القيام بمهام وظيفة مساعد بناء، وأني الشخص غير المناسب لهذه الوظيفة، ونصحني بالبحث عن وظيفة مناسبة أخرى أستطيع القيام بمهامها وتتواءم مع قدراتي. وأنهى المتحدث روايته للموقف قائلًا:
أصبح ذاك الموقف يتملكني كلما تقدمت لوظيفة ما لا أمتلك الخبرة اللازمة لأداء مهامها كما كنت أعتقد، وهو في رأيي اعتقاد غير مبرر في غالب الأحيان.
في هذا السياق أستذكر مقابلة شخصية حضرتها في إحدى المؤسسات الكبيرة التي كانت تعمل على نطاق عالمي، وكنت أجهل طبيعة عملها وعدم تملكي للخبرة المطلوبة، وقد اعترفت بهذا أمام اللجنة المعنية، قلت في نهاية المقابلة وبثقة إني أمتلك الاستعداد للتعلم. التحقت بتلك المؤسسة وبقيت فيها أكثر من 11 عامًا، وكانت مدرستي التي تعلمت فيها الإدارة. ما رأيك سيدي القارئ؟