ستة مجالس نيابية انتخب البحرينيون أعضاءها بإرادة حرة ومباشرة، وشارك البعض مرتين في الانتخابات التكميلية في نهاية 2011 وهذه الأيام في “البسيتين”، هذه التجارب العديدة وبعد 22 عامًا من الحياة النيابية مازال “الوعي الانتخابي” يحتاج نقاشا مطوّلا، بل ودراسات مستفيضة للوقوف على أسباب تنامي حالة الإحباط تجاه أداء النوّاب، إذ لم تعد نسبة التفاعل مع المترشحّين مقياسًا للرضا، ولا يمكن الأخذ بكل ما يُقال سلبًا على أداء النواب مؤشرًا لقياس مستوى الأداء.
النائب القوي هو من يستقبل السير الذاتية لأهالي دائرته ويسعى لهم للحصول على وظيفة، وبتعداد عدد من وظّفهم يُقاس أداؤه، النائب القريب من الناس يتابع طلباتهم الإسكانية ويطلعهم على رسائل “التعشيم” بقرب تلبية الطلب، النائب الحريص من يرفع صوته في الجلسة مطالبًا بإرجاع 3 % علاوة المتقاعدين وان كان هو نفسه من صوّت بالموافقة على التعديلات على قانون التقاعد، النائب الكفء من يفتح مكتبًا لتخليص معاملات المواطنين لدى الجهات المعنيّة، ويستقبل فيه مختلف الشكاوى والمخالفات لمتابعتها، النائب الكريم من يتبرع لرعاية الفعاليات الرياضية والاجتماعية لأبناء دائرته ويوزّع عليهم السلال الرمضانية ومبلغ عيدية للأطفال في العيدين. هذه أمثلة بسيطة لمفاهيم خاطئة، رُوّجت بقصد أو دونه من مترشحين بوعود شفهية طوال السنوات الماضية، ونوّاب بصورة عملية وتحديدًا بدءًا من مجلس 2014 إلى اليوم، حتى أُفرع مفهوم العمل النيابي من معناه في تصوّر كثير من الناخبين، وهذا ما لاحظته للأسف في خطاب بعض المترشحين للانتخابات التكميلية في “البسيتين”، غياب شبه تام لخطاب التغيير ، تكرار ممجوج لأفكار البرامج الانتخابية التي أصبحت تقليدًا بلا ضرورة سيّما وأن ما تبقى من عمر المجلس وبرنامج عمل الحكومة الذي تم التوافق عليه النصف فقط، الترشح لمنصب سياسي بلا سياسة، وعود خدميّة جلها ليست من اختصاص النائب أساساً والبعض الآخر تطفل على العمل البلدي! كان ولا يزال المعوّل والمرجو هو استثمار الانتخابات التكميلية في رفد الوعي الاجتماعي بأهميّة دور النائب الحقيقي في التشريع والرقابة والمشاركة في صنع القرار السياسي، واستعراض التحديات بواقعية تنم عن إلمام لمواجهتها بموضوعية بعيدة عن الخطاب الإنشائي الذي يدغدغ مشاعر الناس مؤقتًا ولا ينتج عنه سوى الجملة الشهيرة “النائب ما سوّى لنا شيء”.
*كاتب بحريني