العدد 5810
الثلاثاء 10 سبتمبر 2024
banner
ترسانة مسلحة حتى الأسنان
الثلاثاء 10 سبتمبر 2024

إسرائيل حالة شاذة لا مثيل لها بين كل نماذج الاستعمار السكني، فهي تجمع بين أسوأ ما في هذه النماذج، ثم تضيف إليه الأسوأ منه. هي مثل الولايات المتحدة انتظمت قدرا محققاً من إبادة الجنس، وهي كجنوب أفريقيا أيام الفصل العنصري تعرف قدرا محققاً من العزل الجنسي، لكنها تختلف عن الجميع من حيث أنها طردت السكان الأصليين خارجها تماما ليتحولوا إلى لاجئين معلقين على حدودها. هذا ما يقوله فيلسوف الجغرافيا الراحل الدكتور جمال حمدان في كتابه “استراتيجية الاستعمار والتحرير”. اغتصبت الأرض وما عليها من ممتلكات بما يجعلها أعلى مراحل الاستعمار السكني، وهي الاستيطان بالاستئصال والإحلال، والاجتثاث والإبادة. واصفا الحالة الإسرائيلية بأنها أخطر مناطق العدوانية الاستعمارية في العالم الثالث، وأخطر مناطق التسليح الغربي، ترسانة أميركية مسلحة حتى الأسنان. ويحلل “حمدان” الذي حامت شكوك كثيرة حول وفاته الغامضة عام 1993 أساسيات الصراع الإسرائيلي: أن مصير الاستعمار يتوقف على مصير العالم الثالث، ومصير العالم الثالث يتوقف على مصير العالم العربي، ومصير العالم العربي يتوقف على مصير فلسطين.
فإسرائيل هي “استعمار عميل” كان من المستحيل أن يتحقق الحلم إلا بالمساعدة الكاملة من قوى السيادة العالمية، فالاستعمار هو الذي خلقها بالسياسة والحرب، وهو الذي يمدها بكل وسائل الحياة من أسلحة وأموال، وهو الذي يضمن بقاءها ويحميها علنا، وقد التقت الإمبريالية العالمية مع الصهيونية لقاء تاريخياً على طريق واحد هو طريق المصلحة الاستعمارية المتبادلة، فيكون الوطن اليهودي تابعا وحليفا مضمونا لخدمة مصالح الاستعمار ثمناً لخلقه وضمان بقائه. دولة إسرائيل الوباء لم تغب عن تفكير جمال حمدان واعتبرها في كتابه “العالم الإسلامي المعاصر” أكبر خطر وتحد يواجه العالم الإسلامي، تماما كما يواجه العالم العربي، قائلا: خطرها أكبر من صليبيات العصور الوسطى، وأكبر من كل موجة الاستعمار الأوروبي الحديث في القرن التاسع عشر، والذي لم يتعد على اتساعه حدود الأغراض السياسية أو الاستراتيجية أو الاستغلالية، إن الاستعمار التوسعي والأخطبوط الصهيوني إن يكن سرطان العالم العربي، فهو جذام العالم الإسلامي في الوقت نفسه.
ما كتبه جمال حمدان تقوم إسرائيل يقينا بتحقيقه في غزة والضفة، ترسم خريطة توسعية جديد بالحديد والنار، خريطة يحرسها الاستعمار الغربي بأسلحته السياسية والعسكرية على حساب العالم العربي والإسلامي أيضا.

*مدير تحرير “الأهرام”

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية