يبدو جنون كاليجولا الامبراطور الروماني وكأنه مرض أو طاعون يتنقل عبر التاريخ من حاكم لآخر، فلا تكاد تخلو مرحلة تاريخية من أمثال هذا الحاكم غريب الأطوار. يروي التاريخ عن تصرفاته العجيبة أنه كان يقف في شرفة قصره يلقي النقود الذهبية والفضية على الناس منتشيا بتزاحمهم حد القتال على التقاط النقود، في الوقت الذي أمر فيه بإغلاق مخازن الغلال ومات الكثير جوعا.
طيلة مدة حكمه التي بدأت عام 37 ميلادية واستمرت أربع سنوات لم يتوقف عن ارتكاب الحماقات والتصرفات الغريبة، فقد عشق أخته وتزوجها وقيل قتلها، وبعد وفاتها وضعها في مقام الآلهة، ثم قرر أن البكاء عليها جريمة لأنها آلهة، وعدم البكاء عليها جريمة لأنها أخت القيصر! كان مسرفا في القتل وتبديد أموال الامبراطورية على تصوراته وجنونه، قام بتعيين حصانه في مجلس الشيوخ وجعل أعضاء المجلس يحتفلون بهذا التعيين وهم يأكلون “التبن” مثل الحصان، ولكن في صحائف ذهبية، من اعترض على ذلك فصله من المجلس. المدهش أن بداية كاليجولا في الحكم كانت مبشرة جدا، حيث توسع في الديمقراطية ومنح صلاحيات واسعة لمجلس الشيوخ، وأفرج عن المسجونين وخفف الضرائب لكن مع السلطة المطلقة تحول إلى أغرب حاكم في التاريخ، أمر بأن يتم تقديم المساجين “الصلع” طعاما للوحوش المفترسة رغم أنه كان أصلع، ولم تتوقف عجائبه فقد أرغم أعضاء مجلس الشيوخ على تقبيل قدمه التي كانوا يسخرون من صغر حجمها، وانتهى به الأمر إلى تأليه نفسه مطالبا الناس بعبادته، وكان لابد أن تأتي النهاية بعد أن عسف بالناس بشكل غير مسبوق، تسلل إليه ذات ليلة أحد حراسه المقربين وقتله ليخلص الامبراطورية والعالم من هذا الطاغية المجنون. لفتت شخصية كاليجولا بتناقضاتها العديد من المبدعين فكتب عنها “البير كامو” مسرحية “كاليجولا”، حاول خلالها أن يجد تفسيرا فلسفيا ونفسياً لشخصية هذا الامبراطور.
وتحولاتها المتناقضة، ولم يجد من تفسير إلا أنه حر حرية مطلقة، باستطاعته أن يفعل ما يشاء دون أن يحاسبه أحد.
وتاريخنا القريب يحفل بشخصيات عديدة تشبه كاليجولا مثل هتلر وموسولينى، وعصرنا الحالي لم يبخل علينا بمثل هذه الشخصية السادية، ويعد بنيامين نتنياهو أقرب الشخصيات تشبها به في القسوة والجنون، فهو يقوم بتدمير البشر والشجر والحجر في غزة دون خوف من أية محاسبة أو قانون، إنها السلطة المطلقة التي تتحول إلى مفسدة مطلقة أو جنون مطلق.
مدير تحرير “الأهرام”