قدر برشلونة أن يعود إلى تألقه من جديد، حتى وإن بدا في أسوأ حالاته لموسم أو أكثر. هي دورت صعود وهبوط طبيعية جدا يعيشها كيان يبلغ من العمر 124 عاما، تغير فيها جلده واهترأ أكثر من مرة، لكن عظمه الصلب.. ظل صلبا. قد لا تنطبق هذه القاعدة على جميع الأندية، وهي حقيقة لا جدال فيها، لكننا اليوم نتحدث عن “البارسا”.
هذا اعتراف يبوح به مدريدي إلى غريمه التقليدي، وقد تكون المسألة أعمق من ذلك بكثير، فالأساطير لا تخلق من العدم، ولا يمكنني أن أنظر إلى الفريق الكتالوني، على نحو غير واقعي فقط، لأنني أنتمي إلى الفريق المنافس، فماذا يعني ذلك؟ في الواقع يعني أن الاعتراف بحقيقة الأمور كما هي وتدريب العقل على قراءة المشهد بعيدا عن الميول الشخصي يساعدنا في إدراك الحقيقة المبنية على تحليل منطقي، لذلك سوف تجدون على الدوام أن الكبار ينهضون من خيباتهم، لأنهم يملكون أدوات “الاستشفاء الذاتي”، ويعتمدون على “قاعدة متينة” يمكنهم البناء عليها في المستقبل، وبعدها يعودون إلى سكة انتصارات حقيقية لا علاقة لها بالصدفة، تماما كما ذكرنا في مقالنا السابق (صناعة الإنجازات الرياضية).
فلا ينكر أحد أن برشلونة له منجزات تركت بصماتها على لعبة كرة القدم، فهو مصدر مهم لـ “الخطط والتكتيكات” التي غيرت مفاهيم التدريب في عالم كرة القدم إلى الأبد، ولعل أبرز إنجازات برشلونة في السنوات العشرين الماضية - حسب رأيي - هو اكتشاف الأسطورة الأرجنتينية ليونيل ميسي، الذي جيء به مريضا من عاصمة الفضة، ليتشافى في إقليم كتالونيا قبل أن “يتمرد” على الطبيعة البشرية ويصبح بعد ذلك “أيقونة خارقة” تسحر العقول والألباب.
وأما الإنجاز الثاني فهو اكتشاف القدرات التدريبية المذهلة للعبقري جوارديولا، التي غيرت عقلية التعاقد مع المدربين في العالم، وشجعت جيلا جديدا من اللاعبين المعتزلين على الانخراط في السلك التدريبي، وبالتالي الاستمرار في العطاء بروح جديدة وصناعة المجد المستقبلي، حتى وإن كان ذلك من على دكة البدلاء، فضلا عما تنتجه أكاديمية لاماسيا العريقة من نجوم ساحرة سطرت أمجادا كروية مدهشة، وما زالت الأكاديمية الكتالونية تنجب ألمع المواهب في العالم.
أما الإنجاز الثالث، وهو ظريف جدا، لكنه يعبر عن حجم الشعبية الجارفة التي يتمتعها بها برشلونة وغريمه ريال مدريد، إذا ما اعتبرنا أن الفريقين وجهان لعملة واحدة، ويتمثل ذلك في كلمات أغنية الفنان الإماراتي حسين الجسمي “حبيبي برشلوني” التي أصبحت راسخة في عقول عشاق النادي الكتالوني، وختاما، أعتذر للمدريدين على اختيار الأغنية، لكنها تكشف “الوجه الخفي” للعلاقة بين برشلونة والريال، القائمة على ثنائية متناغمة، كما لو أنها “رقصة تانغو”!