في واقع الحال، ثمة جدلية متأصلة في وجدان النقاشات الرياضية، وهي: هل الإنجازات الرياضية صناعة، أم محظ صدفة نابعة من طفرات جينية وكيمياء فريدة توافرت في حقبة زمنية معينة؟
على سبيل المثال، هل فوز إنجلترا بكأس العالم في العام 1966 جاء نتيجة صناعة إنجليزية قائمة على الديمومة، أم إن ذاك الجيل وفي تلك البطولة كان هو الأكثر قوة وجهوزية لنيل البطولة؟ وقد نتساءل هنا: إذا لم تكن “صدفة تاريخية” فلماذا لم تكررها إنجلترا مرة أخرى برغم أن الكرة الإنجليزية تتربع على عرش أفضل المسابقات الكروية على الإطلاق في وقتنا الحاضر؟!
في اعتقادي أن الطفرات التي تحدث على المستوى الرياضي، بعضها صدفة وبعضها امتداد لاستراتيجية طويلة المدى، وهذا لا يعني أن الصدف لا تحتاج إلى مقومات، إنما يعني أنها مقومات لا يمكن توفيرها بشكل دائم، لأنها نتيجة لحالة مثالية أوجدتها تلك اللحظة وبعد ذلك تهاوت إلى الضياع، وهذا ما يبرر فشل إنجلترا في تكرار الفوز بكأس العالم رغم مضي أكثر من 50 سنة على الفوز ببطولتها اليتيمة!
هذه القاعدة تنسحب على كل شيء في الحياة، ولكننا نتحدث الآن عن الرياضة، وبالتأكيد يقودنا ذلك إلى الإنجازات الرياضية التي تنعشنا بين الحين والآخر في مملكة البحرين، ولعل أبرزها على الإطلاق التتويج بأربع ميداليات في أولمبياد باريس، تلك البطولة التي وضعتنا في المركز 33 عالميا، و6 آسيويا والأول عربيا، وهو إنجاز نفخر به، لأنه تاريخي بامتياز ويؤكد مجددا ما تتمتع به مملكتنا الصغيرة بحجمها الجغرافي، والكبيرة بأبنائها وقيادتها الرشيدة.
لذلك نحن نفخر بهذه الإنجازات التي وضعتنا على خارطة الرياضة العالمية، ونطمح في المزيد، خصوصا أن الخط البياني في تصاعد، وهذا مؤشرا على وجود رغبة أكيدة لمواصلة التطور والبناء، لذلك نحن سعداء بشكل لا يوصف أيضا بالإنجاز الذهبي الذي حققه منتخبنا الوطني للناشئين في بطولة الخليج لكرة السلة، لأنه مؤشر واضح على وجود مواهب سلاوية في طريقها إلى النجومية، ومواصلة مشوار التحدي وتشريف مملكة البحرين في المحافل الخارجية، والجميل أن هذا المنتخب هو نتاج مبادرة خالد بن حمد لجيل الذهب الذي يستهدف صقل المواهب الرياضية الصغيرة.
ختاما، نحن نمتلك مقومات صناعة الإنجازات الرياضية في مملكة البحرين ومنتخب السلة للناشئين مثال على ذلك، ورغم صعوبة التحديات وشدة المنافسة، يميزنا في البحرين أن لدينا عقولا تفكر وخبرات تنفذ، ومواهب تتفوق، وهذه الخلطة السحرية طالما نجحت مع كرة السلة، فإنها ستنجح في بقية الألعاب الجماعية والفردية، فالطريق التي تؤدي إلى النجاح معبدة، ومن سيسلكها سيصل إلى ما هو مأمول ومتوقع.