لا تكف إسبانيا عن زجي في حالة من الذهول الكروي، ودفعي للدخول في مراجعات مستمرة لإعادة ترتيب تصوراتي الشخصية لمراكز “القوى الكروية العظمى” في العالم، من خلال ما قدمته من نموذج متطور ومتكامل -في واقع الأمر- ترجمه المدرب لويس دي لا فوينتي وفريقه المتألق على أرض الواقع في ألمانيا، وفرض “بلاد الليغا” سيطرته على الجميع في بطولة أوروبا التي اختتمت في برلين بتتويجه بطلاً للمرة الرابعة في تاريخه-رقم قياسي- على حساب منتخب الأسود الثلاثة إنجلترا الذي جاء من “بلاد البريميرليغ” مهد كرة القدم”!
وتحبطني في المقابل خطوات إنجلترا المترفة، وإن كان التاج الذي تضعه على رأسها مليئا بالأحجار النفيسة، ويحتل المرتبة الأولى في أوروبا من ناحية القيمة السوقية للنجوم في صفوف الكتيبة الإنجليزية المتكئة على لقب عالمي يتيم ولد من رحم الذكريات العتيقة في العام 1966، ليتجمد الزمن بعدها وتتلاشى بوارق الأمل واحدة تلو الأخرى، لتبقى في نهاية المطاف الصورة التاريخية الناصعة “بلاك أند وايت” خالية من ألوان الحاضر وضبابية المستقبل.. لأنها ببساطة شديدة مجرد أحلام انجليزية!
ولا شك أن يورو 2024، الذي أقيم وسط تطورات سياسية استثنائية في القارة العجوز المرتبطة مع أميركا في حلف الناتو، أفرز تداعيات ومعارك كروية لاهبة كانت محكا حقيقيا واختبارا صعبا لإثبات الذات، وكان لإسبانيا شرف اقصاء أكبر المرشحين لنيل اللقب، منتخب الماكينات الألمانية الذي اطيح به عندما كان يعتقد بأن المقولة التي يرددها معلقو المباريات ستبقى خالدة إلا الأبد، وهي أن منتخب ألمانيا لا يموت! وكعادة الإسبان بـ “الضربة القاضية” اوقعوا الألمان والفرنسيين والإنجليز، في الدقائق التي لا يمكن فيها التعويض، ليثبتوا علو كعبهم في المستطيل الأخضر، الذي يرسم ملامح قوة كروية عظمى استطاعت خلال العشرين سنة الماضية أن تهيمن على الألقاب العالمية والقارية فيما تألقت أنديتها ولاعبوها في مختلف ارجاء القارة العجوز، ولا ننسى مدربيها وعلى رأسهم بطل إنجلترا جوارديولا الذي وضع مانشستر سيتي في طليعة أندية المسابقة الأقوى في العالم، وكان يطمح للهيمنة على ملاعب أوروبا، لكنه اصطدم بسيد “الشامبيونزليغ” ريال مدريد الذي انهى المسابقة كما فعل في 15 مناسبة سابقة! ختاما، بانيا القوية أصبحت اليوم القوى الأعتى في أوروبا، فهي لم تعد بلدا مستوردا للمواهب، وإنما مصدرا للاعبين وللمدربين، وبالتالي فإنها تمتلك مخزونا وافيا من “الخامات البشرية” والفلسفة الكروية لا تجعلها تشعر بأنها في ورطة كلما جاءت بطولة كبرى، مثل ما تعاني بعض الدول بسبب شح اللاعبين المميزين وعدم وجود عقول تدريبية متمكنة لديها. وبالتالي فإن هذه المقومات المتوافرة في إسبانيا تعطي مؤشرات واضحة ودلائل مؤكدة على سطوع نجمها في عالم كرة القدم وخصوصا في أوروبا.