لقد أضاف جبران خليل جبران إلى الساحة الفكرية العربية والعالمية تراثا ضخما وفريدا من نوعه في المصطلحات والتعبيرات، وكل حكمة يقولها يلبسها ثوبا شفافا من اللغة الشهية والأسلوب الجميل والعذب. عندما تقرأ جبران تكتشف إحساسا حادا مرهفا وشعورا عميقا بالواجب، وكلماته تفعل ما يفعله التنويم المغناطيسي الذي يدفع إلى الاسترخاء، إنه ليس كاتبا إنسانيا بالمعنى التقليدي، وسر تميزه كما يوضح أبرز النقاد والكتاب العرب أن أدبه يقوم على ثلاثة أساسات، الأساس الأول هو فكرة العودة إلى الطبيعة أو إلى الغاب على حد تعبيره هو نفسه، والثاني فكرة وحدة الوجود، ومحاولة تحطيم الثنائية التي تشطر كل شيء في الحياة والعالم والكون إلى شطرين، والثالث هو فكرة العود الأبدي التي قال بها نيتشه وسبقه إلى القول بها كثير من المفكرين الفرس والهنود.
والفكرة الأولى هي إحدى دعامات العقلية الرومانتيكية عموما، وهي تمثل العجز عن التكيف مع الواقع، والبحث الدائب عن عالم آخر، عالم بديل للحياة الواقعية الإيجابية، والفكرة الثانية تتلخص كما يؤكد النقاد في قصيدته الطويلة “المواكب”، فالثورة على الثنائية أكثر ما تتبدى في تلك القصيدة، أما الفكرة الثالثة في ثالوث جبران فهي تعني أن روح الإنسان هي من روح الكون كله، وأن الموت لن يوقف الحياة الإنسانية حتى لو تغيرت أشكالها وتباينت معالمها.
كان والدنا محمد الماجد يحتفظ بكتب جبران في قسم خاص بمكتبته مع كتب سارتر، وهناك شبه – أعتقد ذلك – بين رسائل جبران إلى مي زيادة ورواية “كتابات عاشق على رمال الشواطئ” لمحمد الماجد، والتي يقول في مقدمتها: “أساطير الحب، أو قصص الحب، من خلال الرسائل أمر شائع، ومعروف في الأدب العربي والعالمي، وبالنسبة للأدب العربي يكفينا - على سبيل المثال - رسائل جبران إلى مي زيادة، ورسائل مصطفى صادق الرافعي في كتابه أوراق الورد. هنا أسطورة حب عصرية، تفتحت براعمها على تربة البحرين، ومادتها رسائل، وما أكثر أساطير الحب في الخليج، وما أكثر عذابات المحبين في الخليج”.
* كاتب بحريني