هناك مقولة جميلة لأستاذنا والمربي الفاضل أحمد سلمان كمال رحمه الله هي “يجب ألا تكون الكتابة امتيازا، فمهمة الكاتب أن يجعل الآخرين يقولون، أو أن يقول بالنيابة عن الآخرين”.
كنوع من إنعاش الذاكرة رجعت إلى قراءة رواية “أولاد حارتنا” لنجيب محفوظ، وبعد يومين أو ثلاثة تناقشت مع ابنتي فجر عن قصة الرواية وما تعرض له نجيب محفوظ، وبعدها سألتني سؤالا أشبه بالكمين وهو: ما الفرق بين التذوق والتفسير، لقد عرفت منك قصة الرواية، لكن إلى أي مدى استمتعت بقراءتها؟
سؤال وجيه من البنت يؤكد أن هناك فصلا دقيقا بين الفئتين، وفي عالم الأدب كما قال جيلين آلن إنه يساء فهم الفرق بين التفسير والتذوق، فهناك من يسلمون بأن أي اهتمام بمقاصد المؤلف يؤثر مباشرة على تذوق العمل الفني وتقييمه، وينبع من هذا الافتراض القول إن ما نبذله من جهد للتوصل إلى تفسير يكون موضوعا مناسبا للتذوق، هو جهد مضلل لتبرير تذوق معين للعمل الأدبي، وهذا القول يضفي غموضا وخلطا على هدف التفسير؛ لأن التفسير بناء على هذا القول، ينطوي على التسامح في قبول أحكام نقدية غير متسقة، وهو تسامح يتعدى تماما الحدود المسموح بها على أساس وجود فروق لا يمكن تجاهلها في الذوق الفردي. ومن الصحيح بطبيعة الحال القول إن المعلومات التي تحشد لتفسير العمل الأدبي لا ترتبط بتذوق العمل إلا بطريقة غير مباشرة؛ لأنها تتعلق بمشكلة تحديد شخصية العمل الخاصة كموضوع للتذوق، ومن ثم فإن هذه المعلومات تصبح قريبة جدا من التذوق إذا تم تحديد شخصية العمل.
عن نفسي أرى، وبمبالغة متحيزة، أن الجزء الأكبر في القراءة يذهب إلى التذوق.
* كاتب بحريني