ثلاثة أحداث في منتهى الخطورة، من حيث التصعيد الجنوني، أقدمت عليها إسرائيل خلال ثلاثة أيام من الأسبوع الماضي: الأول إسقاط صاروخ على مدرسة أطفال في منطقة مجدل شمس بالجولان العربي السوري المحتل (لم تستطع إثبات مسؤولية حزب الله عنه)، والثاني اغتيال القيادي في حزب الله فؤاد شكر بالعاصمة اللبنانية بيروت، والثالث اغتيال قائد حركة حماس إسماعيل هنية بالعاصمة الإيرانية طهران، بعد سويعات فقط من اغتيال شكر. إن نهج التصعيد بمعدلات جنونية متسارعة أصبح النهج المفضل الذي يحكم عقلية القيادة الإسرائيلية بعد أن وصلت سمعتها الخُلقية إلى الحضيض أمام الرأي العام العالمي، سيما وقد تجسد ذلك في محكمة العدل الدولية، أعلى هيئة قضائية دولية في العالم، وما كانت لتقدم على تلك العمليات لولا أنها وجدت من حليفتها الكبرى الولايات المتحدة كل أشكال الدعم اللامحدود، عسكرياً ومالياً وسياسياً، متشجعة بالاستقبال الأسطوري الذي حظي به رئيس حكومتها في الكونغرس، ومستغلةً أيضاً ما بدا على التنظيمين العسكريين اللبناني والفلسطيني - اللذين يحظيان بدعم طهران - من وهن في مواجهة التفوق العسكري الإسرائيلي. وإسرائيل تقرأ هذا الوهن على “حماس” فيما تقدمه من تنازلات - أياً كان حجمها - وفي تراجع ردودها الانتقامية مقارنة مع الشهور الستة الأولى من الحرب على غزة، ما يدفعها لرفع سقف شروطها لقبول الصفقة. ويمكن القول ثمة ثلاث رسائل أرادت إسرائيل من ورائها في التصعيد الأخير:
الأولى: إضعاف معنويات “حماس” و”حزب الله” إلى أدنى الحدود الممكنة لحملهما على الاستسلام. الثانية: هز هيئة الدولة الإيرانية وأمنها القومي من الداخل، والتي باتت فضاءاتها مكشوفة تماماً لإسرائيل ومسرحاً تسرح فيها وتمرح كما يحلو لها لتنفيذ أية أهداف عسكرية ونووية ومدنية، لتقول إن أيديها قادرة على أن تطال أكبر رؤوس قياديي حماس، حتى لو كان تحت حماية الحرس الثوري، ومن ثم البرهنة على فشل استخباراتها العسكرية وعناصر أمنها في حمايته.
الثالثة: توجيه إنذار لقيادة حزب الله، بأن إسرائيل التي تمكنت من الوصول إلى أعلى رأس في هرم قيادة حماس، لقادرة أيضاً على الوصول إلى أعلى رأس في هذا الحزب، ولن يهدأ لها بال إلا إذا وصلت إليه، ومن ثم إثبات أن جهاز أمنه واستخباراته الحزبية ليس أقوى منها، وهذا ما سينعكس انعكاساً خطيراً على معنويات قيادات الحزب وقواعده ستتجلى راهناً في إرباك كل تحوطاته الأمنية التي اعتادها لحماية قائده المتخفي منذ توليه القيادة إثر نجاح إسرائيل في اغتيال زعيمه السابق عباس الموسوي عام 1992. والحال فلئن تمكنت إسرائيل من اغتيال أعلى مسؤول قيادي في “حماس”، فإنها تتعامى ولم تتعظ من فشل نهج الاغتيالات فشلاً ذريعا في تركيع الشعب الفلسطيني عن ممارسة حقه المشروع دولياً في الكفاح من أجل حريته وتقرير مصيره، وهو النهج الذي اتبعته منذ نكبة 48، ثم مارسته على الأخص في أعقاب نكسة 67 حتى يومنا هذا.
كاتب بحريني