العدد 5769
الأربعاء 31 يوليو 2024
banner
ظاهرة تخريب الممتلكات العامة
الأربعاء 31 يوليو 2024

على الرغم من كل السلبيات الخطيرة التي رافقت وترافق دورة أولمبياد باريس والتي تتحملها بلا شك الحكومة الفرنسية، إلا أن أعمال التخريب التي طالت السكك الحديدية عشية انطلاق الدورة تدعو إلى الأسى، ولا يجوز تسويغها بأي من الأحوال، فالمواطنون والقاصدون إلى الأولمبياد هم المتضررون.
على أن هذا الحادث ذكرني بمقال انتشر خلال الأسبوع الجاري في وسائل التواصل الاجتماعي على نطاق واسع للكاتب الصحفي البريطاني الشهير الراحل الدكتور روبرت فيسك المعروف بمناصرته للقضايا العربية، ومع أن المقال قد نُشر عام 2009 في صحيفة "الأندبندنت" البريطانية، فإنه منذ ذلك التاريخ لا يكاد يمر عام أو عامين إلا ويُعاد نشر فقرة محددة منه، إما في بعض الصحافة العربية أو في "السوشيال ميديا" وتثار حولها مجدداً  ردود فعل متباينة في عالمنا العربي. وبالرغم أن المقال الذي نحن بصدده كان طويلاً وتحت عنوان طويل لافت أيضاً : " جذور الحياة في الشرق الأوسط راسخة في القرون الوسطى"،إلا أن  النقاشات تركزت على تلك الفقرة تحديداً، وهذا نصها حسبما تم تناقله:  ‏" أتعلمون لماذا بيوت العرب في غاية النظافة، بينما شوارعهم على النقيض من ذلك؟ ‏السبب أن العرب يشعرون أنهم يملكون بيوتهم، ولكنهم لا يشعرون أنهم يملكون أوطانهم!". وبصرف عن مدى دقة ترجمتها إلا أن مؤداها واحد في المعنى تقريباً. وأغلب التعليقات جاءت إما مؤيدة لما ذهبت إليه الفقرة، أو معارضة أو متحفظة في تأييدها. واللافت أن المستعربالياباني الكبير نوبو أكي نوتوهارا سبق فيسك إلى نفس المضمون تقريبا بسبع سنوات وذلك في كتابه الهام " العرب وجهة نظر يابانية" الصادر عام 2003 عن دار الجمل : " لقد فهمت أن كل ما يخص الملكية العامة يعامله الناس كعدو فينتقمون منه ولذلك نجد المقاعد في الحدائق العامة مكسرة أو مخلوعة ونجد معظم مصابيح الشوارع محطمة، كما أن دورات المياه العامة قذرة بصورة لا تُوصف وحتى المباني العامة لحق بها كل أنواع التخريب الممكنة". ويفسر المؤلف شيوع هذه الظاهرة في عالمنا العربي لشعور المواطن نفسياً في اللاوعي بأنه إنما ينتقم من السلطة العربية!  فيما هي كما نعلم -والكلام لي- ليست سوى أمينة على المال العام الخاص بالشعب والذي عُهد إليها إدارة إنفاقه بما يحقق مصالح الشعب من خلال حُسن إدارة التنمية والأقتصاد الوطني.ونرى أن تحليل نوتوهارا جاء أكثر تأصيلا وعمقا في تأصيله للظاهرة، ذلك بأن ما ذكره فيما يتعلق بتخريب وتكسير الممتلكات العامة- ونضيف إليه حتى الممتلكات الخاصة- يُعد صائباً. وهذه الظاهرة تبرز خصوصاً خلال الأحتجاجات والمظاهرات، وإن كانت شوارع الدول الغربية لا تخلو من تلك الظاهرة في كثير من الأحيان أيضاً.لكن أحسب أن القوى السياسية المتعاطفة مع الأحتجاجات أو مقاصدها إنما تتحمل مسؤولية عليا أيضاً، لا من حيث إدانتها وقت وقوعها فحسب، بل ومن حيث أيضاً مسؤوليتها القصوى نحو توعية قواعدها الشعبية وعامة الناس بحماقة وضرر مثل تلك الأعمال على عامة الشعب، جراء تكبيدها المال العام مزيداً من الأستنزاف على أيدي المتظاهرين أنفسهم.
وإذا كان الشيء بالشيء يُذكر فإن ما ينطبق على مسؤولية القوى السياسية في الحفاظ على الممتلكات العامة التي شُيدت بالمال العام ينسحب تماماً على بعض الأماكن العامة التي لا يجب أن يتم فيها التظاهر، كالمطارات والمستشفيات والمجمعات التجارية وسائر المرافق أو المباني العامة. وهذا ما يُذكّرنا أيضاً من جهة أخرى بالأعمال الصبيانية التي يقوم بها بين حين وآخر نشطاء البيئة في العواصم والمدن الأُوروبية داخل قاعات اللوحات الفنية من بعمدهم إلى تشويهها، حتى لوكان تشويهاً مؤقتاً يسهل إزالته،ولا سيما إذا ما جرى مثل هذا الفعل أثناء وجود زوار في مثل تلك الأماكن التي ينبغي أن تكون لها حرمتها التي تُصان. 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية